الجمعة، 18 أبريل 2025

حصاد التدبر | الجزء الحادي عشر من سورة التوبة الآية (٩٣) إلى سورة هود الآية (٥)

 / ( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ) [التوبة: ٩٦]:
المنافق مستعد للحلف كاذبا ليُرضي الخلق، أما رأي اللّٰه فيه فآخر اهتماماته.

/ ( خَلطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) [التوبة: ١٠٢ ]:

ـ إذا لم تستطع التخلص من السيئات، فزاحمها بكثرة الحسنات، وستغلب الكثرة القِلة : (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).

ـ اجعل من نياتك عند الشروع في طاعاتك أن تمحو بها أثر سيئاتك.


/ ( خُذْ مِنْ أَمْوَالهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُرَكّيهِم بِهَا ) [ التوبة:١٠٣]:

ـ شرع اللّٰه الصدقة من أجلك أنت قبل الفقير.


/ ( صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُرَكّبِهِم بِهَا ) (التوبة: ١٠٣]:

ـ كان بعض المتصدقين يضع الصدقة في يده، ثم يدعو الفقير لتناولها من يده، لتكون يد الفقير هي العليا، ويد المنفق هي السفلى!

ـ التوبة المالية!! إذا ابتليت بذنب وأردتَ أن تتطهر منه، فاستعن عليه بالصدقة.


/ ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَتِ ) [التوبة: ١٠٤]:

 قال ابن كثير: "هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحقها".


/ ( فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) [ التوبة: ١٠٥ ]:

كل طاعاتك يراها الله، فلا تشرِك معه فيها غيره؟!


/ (وَٱلَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا ) [التوبة: ١٠٧]:

اتخذ النفاق في العهد النبوي أشكالًا لا يُتصَوَّر أن يتسلل إليها النفاق، وهي بناء المسجد، فكيف بعهدنا اليوم؟! الحذر أوْلى.


/ ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا) [التوبة: ١٠٨]:

إذا أردت أن تطهِّر قلبك وتزكَّي روحك، فاعتكف في مسجد، واذكر اللّٰه تعالى فيه.


/ ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ) [التوبة: ١١١]:

 ـ ماذا تساوي نفوسنا المعيبة -وإن طهرت- حتى يشتريها اللّٰه منا بهذا الثمن؛ لذا قال الحسن البصري: "بايعهم والله فأغلى ثمنهم".

ـ قال محمد بن الحنفية يحثك على تزكية النفس بالعمل الصالح: "إن اللّٰه عز وجل جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها" .


/ ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ) [التوبة: ١١١]:

ـ أنت لا تملك نفسك، ولا يحق لك التصرف فيها دون إذن مالكها، فإنما يتصرف في ما اشتراه منك وبعته له، وأعطاك في المقابل الجنة، أرجعت في بيعتك؟! أم أنك لم تبع وزهدت في الجنة من الأساس؟! وإذا بعت.. أيحسن لمن باع شيئًا أن يغضب على المشتري إذا تصرَّف فيه حسب ما يراه؟ وماذا لنا فينا حتى نتكلم!!

ـ كيف بعت النفس الثمينة بشهوة تنقضي في لحظة؟! وبلذة لا تبقى سوى ساعة؟! وهبها بقيت أيامًا أو أعوامًا فماذا تساوي بجوار لذة الخلد؟! وبعتها لمن؟! لأعدى أعدائك: شيطانك!!
ـ حُكِي عن مالك بن دينار أنه مرَّ بقصر يُبنَى، فسأل العُمَال عن أجرتهم، فأجاب كل واحد منهم بأجرته، ولم يجبه واحد، فقال: ما أجرتك؟ فقال: لا أجرلي؛ لأني عبد صاحب القصر، فقال مالك: إهي .. ما أسخاك، الخلق كلهم عبيدك كلّفتهم العمل ووعدتهم الأجر.

ـ البائع لا يستحقّ الثمن إذا امتنع عن تسليم ما باع، فكذلك لا يستحق عبدٌ الجنة إلا بعد تسليم النّفس والمال.


/ ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنْهُ ) [التوبة: ١١٤ ]:

تأمل هذا الوصف البليغ في الولاء والبراء، فاقْتفِ أثر خليل الرحمن، وتبرَّأ من كل عدو لك ولدينك ورسولك والمؤمنين.


/ ( فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَهِيمَ لَأَوَّاهُ حَلِيمٌ ) [التوبة: :١١٤]

 تأمَّل كيف اجتمعت صفة الحلم والغلظة في شخص واحد، فالحلم ليس معناه التهاون في أمر الدين.


/ ( لَقَدِ تَابَ ٱللَهُ عَلَى النَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنْصَارِ ) [التوبة: ١١٧]: -

ـ قال ابن القيم: "وتوبة العبد إلى اللّٰه محفوفة بتوبة من اللّٰه عليه قبلها، وتوبة منه بعدها فإنه تاب عليه أولًا إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد، فتاب اللّٰه عليه ثانيًا قبولًا وإثابة"

ـ قال ابن القيم: "التوبة نهاية كل عارف، وغاية كل سالك، وكما أنها بداية فهي نهاية، والحاجة إليها في النهاية أشد من الحاجة إليها في البداية، بل هي في النهاية في محل الضرورة؛ لذا كان في آخر حياته أشد ما كان استغفارا وأكثره، وأنزل اللّٰه بعد غزوة تبوك، وهي آخر الغزوات التي غزاها: (لَقَد تَابَ ٱللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنْصَارِ). 


/ ( الَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ ) [ التوبة: ١١٧ ]:

وصف اللّٰه العسر بأنه ساعة من نهار كي لا تضجر من الأقدار!


/ ( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ) [التوبة: ١١٧]:

صحابة، ومجاهدون، وفي معية النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا تكاد قلوب بعضهم أن تزيغ، وبعضنا واثق في قلبه، ومطمئن على إيمانه! على أي أساس؟!


/ ( ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ) [التوبة: ١١٧]:

تحتاج لأن يتوب عليك أولًا لتتوب، فالتوبة ليست مجرد قرار شجاع، هي قبل ذلك هداية ورحمة وتوفيق من الرحمن.


/( وَظَنُّوا أَن لَا مَلْجَاَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ) [التوبة: ١١٨ ]:

ـ أضيق ما يكون الأمر قُبيل الفرَج!

ـ قال مجاهد: ((ما كان من ظن في القرآن فهو يقين)»، فلما أيقنوا ألا ملجا إلا الله، صدق منهم اللجوء إليه، فتداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء.


- (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ ) [التوبة: ١١٩]:

كونوا معهم، ولا تتفردوا في السير من دونهم، كي لا يستفرد بكم الشيطان، فالجماعة بركة، والفرقة عذاب.


/ ( اتَّقُواْ اللَهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ ) [التوبة :١١٩ ]:

- لن تستطيع أن تكون تقيًّا إلا إن كنتَ في بيئة صالحة!

- الصدق من أهم معايير اختيار الصحبة، فلا يصلح أن تصاحب كاذبًا.


/ ( وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيْظُ ٱلْكُفَّارَ ) [التوبة: ١٢٠ ]:

الوطء في سبيل اللّٰه هو أن تدوس أرض العدو بما يغيظه، فإن العدو يأنف من وطء أرضه، وقد يكون الوطء استعارة لإذلال العدو وإغاظته، فكل عمل تغيظ به أعداء الله فلك به أجر ولو كان خطوة واحدة.


/ {وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٌ صَغِيرَةً ) [التوبة: ١٢١ ]:

لا تحقرن صغيرة من خير، فأصحاب الأعراف يوم القيامة يوقفون عن دخول الجنة لنقصان حسنة واحدة!


/ (فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيْمَٰنًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ ) [التوبة: ١٢٤-١٢٥ ]:

تنزل الآية على القلوب، فتكون سببًا في زيادة إيمان قوم، وزيادة رجس - أي كفر وشك- قوم آخرين.


/ (ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم } [التوبة:١٢٧ ]:

، قصة حديث تشرح آية:

بينما رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم جالس في المسجد إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما الأول فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى اللّٰه فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا اللّٰه منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض اللّٰه عنه».


/ (ثُمَّ أنصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم ) [التوبة: ١٢٧]:

إعراض مديره عنه يُقلِقه، فكيف بإعراض اللّٰه؟!

س: لم صرف اللّٰه قلوبهم؟!

ج: لأنهم انصرفوا، فصرف اللّٰه قلوبهم عن الهدى؛ عقوبة على انصرافهم أولاً.


/ (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِنْ أَحَدٍ) [التوبة: ١٢٧ ]: 

المنافق تُقلِقه سورة! فكيف بالقرآن كلِّه؟!


/ ( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِى اللَّهُ ) [التوبة : ١٢٩]:

قل لكل شيء فقدته، ولكل غالٍ هجرك، ولكل قريب تخلى عنك: حسبي اللّٰه يكفيني ويؤويني.


سورة يونس

/ ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا .. ) [يونس: ٢]:

تبشير المؤمنين سُنَّة غفل عنها الكثيرون، وما أكثر ما قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه لأصحابه كلمة (أبشِر)، وبها أمرنا: ((بشِّروا ولا تنفِّروا)».


/ ( قَدَمَ صِدْقٍ ) [يونس: ٢]:

حقيقة القدم ما قدَّم العبد ويَقدُم عليه يوم القيامة، والمؤمنون قدَّموا العمل الصالح والإيمان بمحمد ، فيقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك، فهذه  ثلاثة تفسيرات لقدم صدق.


/ ( إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ الَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) [يونس: ٣]:

قال السعدي: "مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله.


/ ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) [يونس:٣]:

- فرَّغ قلبك من همومك وتدبيرك، وفوِّض أمرك وأسلِم قيادك لمن وعدك بتدبير الأمر لك ولغيرك.

- قال سهل التستري: "يقضي القضاء وحده، فيختار للعبد ما هو خير له، فخيرة اللّه خير له من خيرته لنفسه".

- تكررت في كتاب اللّٰه أربع مرات؛ لتنزع من قلبك أوهام أن أمرك بيد أحد غير اللّٰه.


/ ( وَرَضُواْ بِٱلْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَاطْمَاَنُواْ بِهَا ) [يونس:٧]:

لا يأمرك بترك الدنيا، لكن يأمرك بعدم الاطمئنان بها والركون إليها، كي لا نقدَّمَها على آخرتك، أو تحصُل شهواتها من أي طريق فتهلك!!


/ ( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَنِهِمْ ) [يونس:٩]:

- ليست الهداية درجة واحدة ولا الإيمان، بل درجات، وتتناسب هدايتك طرديًّا مع إيمانك، فكلما زاد الإيمان زادت الهداية.

- الإيمان باقة نور يهتدي بها المؤمنون في ظلمات الفتن ومتاهات الغربة، حتى يصلوا إلى الهدف المنشود: الجنة.

- قال ابن جريج: "يُمثَّل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره، يعارِض صاحبه ويبشِّره بكل خير، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك، فيُجعَل له نوره من بين يديه حتى يُدخِله الجنة، فذلك قوله تعالى: (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ)"


/ ( دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰتَكَ اللَّهُمَّ وَتَّحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامُ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ )[يونس: ١٠]:

الدعوى هنا الدعاء، ومعنى قولهم (سُبْحَٰنَكَ اللَّهُمَّ ): نسبِّحك وننزِّهك عما لا يليق بك، فعبادة أهل الجنة التسبيح والحمد ، ليس على سبيل التكليف بل تلذذا، وهو لهم بمنزلة النَّفَس، من دون كلفة أو مشقة.


/ ( وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَنَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ ) [يونس: ١٢]:

- قال الآلوسى: "وفي الآية ذمّ لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرع إليه في الشدة، واللائق بحال العاقل التضرع إلى مولاه في السراء والضراء، فإن ذلك أرجى للإجابة، ففي الحديث الشريف: (تعرف إلى اللّٰه في الرخاء يعرفك في الشدة)

- قال أبو الدرداء: "ادعُ اللّٰه يوم سرائك، يستجِب لك يوم ضرائك".


/ ( فَلَمَا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ) [يونس: ١٢]:

لا تحزن إن جحد الناس إحسانك، فمنهم من جحد فضل الخالق مِنْ قبل، فكيف لا يجحد فضل المخلوق؟!


/ ( قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْبَدِّلَهُ ) [يونس: ١٥]

- ما أشبه الليلة بالبارحة! بعض من ينادون بتخفيف لهجة الخطاب الديني أو تجديده هم ( لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ) 

- هذا سبب تعنت المنافقين والكافرين تجاه القضايا الإسلامية والأحكام الشرعية، وأما من آمن بلقاء اللّٰه فلا بد أن ينقاد لأحكامه.


/ ( ائتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) [يونس:١٥ ]:

قال الطبري: "والتبديل الذي سألوه أن يحوِّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا، والحرامَ حلالًا، والحلال حرامًا، فأمر اللّٰه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يُرَدُّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتَّبِع".


/ ( قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) [يونس: ٢١]:

مهما أسرع الماكرون وتفننوا وتستروا، فقد سبق مكرُ اللّٰه مكرَهم؛ لأنه أحاط علمّا بمكرهم قبل أن يفعلوه، وقادر على إبطاله بعد أن فعلوه.


/ ( وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ) [يونس: ٢٢]:

مشركون دعوا اللّٰه حين أحاطت بهم الأمواج، فنجاهم الله، فكيف تيأس وتنقطع عن الدعاء وأنت المؤمن؟!


/ ( لَنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ) [يونس: ٢٢]:

قال القرطبي: "المضطر يُجاب دعاؤه وإن كان كافرًا لانقطاع الأسباب ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب".


/ ( إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) [يونس: ٢٣]:

- قال مكحول: " ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر، والبغي، والنكث. قال تعالى: ( فَمَنِ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُتُ عَلَىٰ نَفْسِهِ، ) [الفتح: ١٠]،

 وقال: ( وَلَا يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ السَّيِّيء إِلَّا بِأَهْلِهِ ) [فاطر: ٤٣]، وقال: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ) [يونس: ٢٣]).

- أنفع موعظة ما كانت من أجل منفعتك أو صرف السوء عنك؛ ولذا كانت هذه الآية صيحة تحذير وصرخة نذير تقول لك: أنت لا تضر إلا نفسك!

- سهم البغي سيرتد على صاحبه عاجلا أو آجلًا!


/ ( وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَىٰهَا أَمْرُنَا ) [يونس:٢٤]:

 الاغترار بالقوة أولى علامات الانهيار.


/ ( إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءِ أَنْزَلْنَهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ) [يونس:٢٤ ]:

 الدنيا أقصر ما تكون وكانها موسم زراعة واحد!!


/ ( كَأَن لَمْ تَعْنَ بِالْأَمْسِ ) [يونس:٢٤]:

 جملة كفيلة بأن تزهِّدك في الدنيا بأسرها لأنها زائلة ومنسية، وترغبك في الآخرة الخالدة.


/ ( وَٱللَّهُ يَدُعُوا إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَامِ ) [يونس:٢٥]:

ـ قال ابن كثير: "لما ذكر اللّٰه الدنيا وسرعة زوالها، رغَّب في الجنة ودعا إليها وسماها: دار السلام، أي من الآفات والنقائص والنكبات".

ـ من أجاب النداء من الدنيا دخل الجنة، ومن أجاب من القبر فهو المحروم.

ـ تجيب أمك وأباك إذا ناداك، ولا تجيب ربك إذا دعاك! مع أن دعوته لك إلى سعادة الأبد في جنة الخلد لتكون مثواك!


/ ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ) [يونس: ٢٦]:

بقدر إحسانك في الدنيا تكون زيادة نعيمك في الآخرة .


/ ( وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةُ ) [يونس:٢٦]:

- قال السعدي: " لا ينالهم في الجنة أي مكروه بوجه من الوجوه، لأن المكروه إذا وقع بالإنسان تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدَّر".

- تغير وجه صاحبك علامة نزول مكروه به، فتفقَّد أحوال صاحبك عند تغير وجهه.


/ ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ) [يونس:٣٩]:

 الإنسان عدو ما جهل!


/ ( وَمِنْهُم مَن يَنظُرُ إِلَيْكَ ) [يونس: ٤٣]:

النظرة واحدة لكن الأثر يختلف بحسب نوع القلب. قال ابن كثير: "المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، والكافرون ينظرون إليك بعين الاحتقار ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًّا)".


/ ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) [يونس:٢٥]

 عشرات السنين ستصبح بعد معاينة الآخرة أقصر ما تكون، وكأنها لحظات تعارف!


/ ( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرجِعُهُمْ ) [يونس: ٤٦]:

وعد الله بالنصر قائم، وقادم لا محالة، لكن لا يلزم أن يراه المستضعفون بأعينهم اليوم، والدليل: ما قاله اللّٰه لرسوله هنا.


/ ( يَأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَثْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدى وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) [ يونس:٥٧]:

قال ابن عاشور: "وقد عبَّر عنه بأربع صفات هي أصول كماله وخصائصه وهي: أنه موعظة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه هدى، وأنه رحمة للمؤمنين".


/ ( وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) [يونس:٥٧]:

وهذا الشفاء لن يتحصل عليه إلا من التزم شرطه، وشرطه: التدبر.


/ ( وَشِفَآءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [يونس: ٥٧]:

جاءت كلمة (شفاء) قبل كلمة (هدى) لتبيّن أن إخراج ما في القلب من أهواء وأمراض مطلوب أولا لحصول هداية القلب.


/ ( قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) [يونس:٥٨]:

قال بعض العارفين: "ما فرِح أحد بغير اللّٰه إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه".


/ ( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) [يونس: ٦١]:

هذه الآية من أشد آيات المراقبة، فإذا كان هذا علمه بحركات الذرات فكيف علمه بحركات العباد؟!


/ ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [يونس: ٦٢]:

أي لا خوف يخافه خائفٌ عليهم، فهم بمأمن من أن يصيبهم مكروه، وليس المعنى هنا أنهم لا يخافون، لكن إذا اعتراهم خوفٌ انقشع عنهم بفضل اعتصامهم بالله وتوكلهم عليه.


/ ( وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [ يونس: ٦٢]:

وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا، فهذا حزنٌ عابر لا يستقر، بل يزول بالصبر وذكر الأجر، ولا يلحقهم الحزن الدائم المؤدي لانكسار النفس والاكتئاب.


/ ( لَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس: ٦٢]:

قال ابن عاشور: "فالكلام يفيد أن اللّٰه ضمن لأوليائه أن لا يحصل لهم ما يخافونه، وأن لا يحل بهم ما يحزنهم، ولما كان ما يُخاف منه من شأنه أن يُحزن من يصيبه، كان نفي الحزن عنهم مؤكدًا لمعنى نفي خوف الخائف عليهم".


/ ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْأَخِرَةِ ) [يونس: ٦٤]:

قال السعدي: "أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف اللّٰه به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق. وأما في الآخرة، فأولها البشارة عند قبض أرواحهم، وفي القبر: ما يبشَّر به من بعد رضا اللّه تعالى والنعيم المقيم. وفي الآخرة: تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم".


/ ( لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَتِ اللهِ) [يونس:٦٤]:

اطمئن واستبشر!  كل ما وعد الّٰله به فهو حق، ولا يمكن تغييره أو تبديله أو الرجوع عنه؛ لأنه الصادق في قوله، ولا يقدر أحد على مخالفة ما قدَّره وقضاه، ومن ذلك وعودُه للمؤمنين؛ ولذا قال بعدها مبشّرًا: (ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ).


/ ( فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱلَّلهِ ) [يونس:٧٢]:

الداعية لا يرجو بدعوته مالا ولا جاها، وكلما زهد داعية في دنيا الناس أقبل الناس عليه؛ ليفيدهم في أمر آخرتهم.


/ (إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ) [يونس:٧٢]:

فلا تأبه إن شكرك الناس على صنع المعروف أو نسوك، ولا تحزن لجحود الناس لأنك تستلم أجرتك من جهة واحدة: اللّٰه رب العالمين..


/ ( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) [يونس: ٧٨]:

يظن الظالم أن الناس كلهم مثله فيرميهم بالداء الذي فيه، ولا يتصور أن أحدًا يعمل لمهمة سامية وغاية نبيلة، أو رجاء ثواب اللّٰه والدار الآخرة..


/ ( فما ءَامَنَ لِمُوسَىّ إِلَّا ذُرِيَّةٌ من قَوْمِهِ ) [يونس:٨٣]:

الذرية هم الشباب، وهم أمل المستقبل ومفتاح التغيير.


/( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ) [يونس: ٨٥]:

أي يا رب لا تمكِّنهم من عذابنا، لئلا يقول الظالمون وأتباعهم: لو كان هؤلاء على الحق لنصرهم الله!


/ ( قَدْ أُجِيبَت دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ) [يونس:٨٩]:

شكر نعمة الإجابة! قال ابن عاشور: "وفرَّع على إجابة دعوتهما أمرهما بالاستقامة، فعُلِمَ أن الاستقامة شكر على الكرامة، فإن إجابة اللّٰه دعوة عبده إحسان للعبد وإكرام، وتلك نعمة عظيمة تستحق الشكر عليها، وأعظم الشكر طاعة المنعم".


/ (فَاسْتَقِيمَا ) [يونس:٨٩]:

س: ما فائدة أمر المستقيم بالاستقامة؟ فموسى وهارون حازا أعلى استقامة، وهي استقامة النبوة.

ج: المعنى الأمر بالمداومة عليها.


/ ( قَدْ أُجِيبَت دَعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا ) [يونس:٨٩]:

الاستقامة على فعل الطاعات، من أعظم أسباب إجابة الدعوات.


/ ( وَلَا تَتَّعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [يونس: ٨٩]:

أول انحراف عن طريق الاستقامة سببه اتباع طريق المنحرفين، فحذر المؤمن وخوفه الدائم من الانحراف من أهم أسباب الاستقامة.


/ ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكَ ) [يونس:٩٤]:

قال البيضاوي: "وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم"..


/ (كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ) [يونس:١٠٣]:

قال البقاعي: "في كل زمن وإن لم يكن بين ظهرانيهم رسولٌ؛ لأن العِلَّة الاتصاف بالإيمان الثابت".


/ ( وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ ) [يونس: ١٠٧]:

لا رادَّ لفضله ولو كانت الدنيا بأسرها، فمن الذي يحرِم من أراد اللّٰه عطاءه، ومن يُشقي من أراد اللّٰه إسعاده؟!


سورة هود


/ ( وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ) [هود:٣]:

الاستغفار جسر موصل إلى التوبة.


/ ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ نُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَنِعَكُم مَنَعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى ) [هود:٣]:

أعظم متعة هي التي تجِدُها في قلوب المستغفرين التائبين.


/ ( وَيَٰقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا ) [هود: ٥٢]:

 خرج عمر بن الخطاب يومًا يستسقي فما زاد على الاستغفار حتى رجع قالوا: ما رأيناك استسقيت!! قال: لقد طَلبتُ المطر بمجاديح -جمع مجدح- وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تُمطر به السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: (وَيَٰقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَكُمْ ثُمَّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا ) [هود: ٥٢].


/ ( وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) [هود: ٣]:

قال سعيد بن جبير: "من عَمِل حسنة كُتِبَت له عشر حسنات، ومن عمِل سيئة كُتِبَت عليه سيئة واحدة، فإن لم يعاقَب بها في الدنيا، أُخِذ من العشرة واحدة، وبقيت له تسع حسنات، لذا قال ابن مسعود: هلك من غلب آحاده أعشاره".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق