الاثنين، 21 أبريل 2025

فوائد الآيات/ سورة القلم (١-١٦)

■ قال ابن تيمية: "سورة (ن) هي سورة "الخُلق" الذي هو جماع الدين الذي بعث اللّٰه به محمدا صلى اللّٰه عليه وسلم، قال اللّٰه تعالى فيها: {وإنك لعلى خلق عظيم)". ((مجموع الفتاوى) (٦١ /١٦).

■ (ن) : «هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطَّعة في أوائل السور فيها إشارة إلى إعجاز القرآن، فقد وقع به تحدي المشركين، فعجزوا عن معارضته، وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكوّن منها لغة العرب، فدَلَّ عجز العرب عن الإتيان بمثله -مع أنهم أفصح الناس - على أن القرآن وحي من الله». ((التفسير الميسر» (٢/١).

(والقلم وما يسطُرون):
● قال ابن كثير: "(والقلم} الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به، كقوله: {اقرأ وربك الأكرم* الذي علّم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم} فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تُنال العلوم؛ ولهذا قال: {وما يسطرون} قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: يعني: وما يكتبون.
●وقال أبو الضحى عن ابن عباس: {وما يسطرون} أي: وما يعملون.
●وقال السدي: {وما يسطرون} يعني: الملائكة وما تكتب من أعمال العباد.
●وقال آخرون: بل المراد هاهنا بالقلم الذي أجراه اللّٰه بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف سنة. وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم... فعن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يقول: (إن أوّل ما خلق اللّٰه القلم، فقال له: اكتب. قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، ما كان وما هو كائن إلى الأبد)". ((تفسير ابن كثير» (١٨٧ /٨).

(ما أنت بنعمة ربّك بمجنون):
● قال القرطبي: " والنعمة ها هنا الرحمة.
ويحتمل ثانيا أن النعمة ها هنا قسم، وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون، لأن الواو والباء من حروف القسم.
●وقيل: هو كما تقول: ما أنت بمجنون، والحمد لله.
●وقيل: معناه: ما أنت بمجنون، والنعمة لربك، كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك، أي: والحمد لله». «تفسير القرطبي) (٢٢٦ /١٨).
● وقال ابن تيمية: "المقسم عليه ثلاث جمل:
{ما أنت بنعمة ربك بمجنون}، {وإن لك لأجرا غير ممنون}، {وإنك لعلى خلق عظيم}، سلب عنه النقص الذي يقدح فيه، وأثبت له الكمال المطلوب في الدنيا والآخرة، وذلك أن الذي أتى به إما أن يكون حقا أو باطلا، وإذا كان باطلا فإما أن يكون مع العقل أو عدمه، فهذه الأقسام الممكنة في نظائر هذا:
●الأول: أن يكون باطلا ولا عقل له، فهذا مجنون لا ذم عليه ولا يتّبع.
●الثاني: أن يكون باطلا وله عقل، فهذا يستحق الذمّ والعقاب.
●الثالث: أن يكون حقا مع العقل.
فنفى عنه الجنون أولا، ثم أثبت له الأجر الدائم الذي هو ضد العقاب، ثم بيّن أنه على خلق عظيم؛ وذلك يبيّن عظم الحق الذي هو عليه بعد أن نفى عنه البطلان". «مجموع الفتاوى» (٦٣-٦٢ /١٦).

(وإنّ لك لأجرا غير ممنون) :
● قال ابن كثير: "(وإن لك لأجرا غير ممنون} أي: بل لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم. ومعنى: {غير ممنون} أي: غير مقطوع، كقوله: {عطاء غير مجذوذ}، {فلهم أجر غير ممنون} أي: غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد: {غير ممنون} أي: غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه». (تفسير ابن كثير) (١٨٨/٨).

(وإنك لعلى خلق عظيم):
قال البغوي: "(وإنك لعلى خلق عظيم)
● قال ابن عباس ومجاهد: دين عظيم، لا دين أحب إليّ ولا أرضى عندي منه، وهو دين الإسلام.
● وقال الحسن: هو آداب القرآن. سئلت عائشة رضي اللّٰه عنها عن خلق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القران.
● وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله، وينتهي عنه من نهي الله، والمعنى: إنك على الخلق الذي أمرك اللّٰه به في القرآن...
● وروينا عن جابر أن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم قال: (إن اللّٰه بعثني لتمام مكارم الأخلاق، وتمام محاسن الأفعال).
/ ... عن أنس بن مالك قال: خدمت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء صنعته: لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته: لِمَ تركته؟ وكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم من أحسن الناس خُلقا، ولا مسست خزاقط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عَرَق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم.
/ ... عن عبد اللّٰه بن عمر قال: إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: (خياركم أحسنكم أخلاقا).
/ ... عن أنس أن امرأة عرضت لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، فقالت: يا رسول الله! إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان! اجلسي في أيّ سكك المدينة شئت أجلس إليك، قال: ففعلت، فقعد إليها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم حتى قضى حاجتها.
/ ... عن أنس بن مالك قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.
/ ... عن أنس بن مالك أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه، ولم يُرَ مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له.
/ ... عن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة.
/ ... عن أنس قال: كنت أمشي مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُر لي من مال اللّٰه الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء.
/ ... عن أبي الدرداء عن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم قال: (إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن اللّٰه تعالى يبغض الفاحش البذيء).
/ ... عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم لأصحابه: (أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار؟)، قالوا: اللّٰه ورسوله أعلم. قال: (فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان: الفرج والفم، أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟)، قالوا: اللّٰه ورسوله أعلم. قال: (فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله، وحسن الخلق ).
/ ... عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)».
((تفسير البغوي)) (١٩١-١٨٧ /٨).

■ وقال القرطبي: "لم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى اللّٰه عليه وسلم منه الحظ الأوفر.
وقال الجنيد: سمّي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى اللّٰه تعالى.
●وقيل: سمّي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، يدل عليه قوله عليه السلام: (إن اللّٰه بعثني لأتمم مكارم الأخلاق).
●وقيل: لأنه امتثل تأديب اللّٰه تعالى إياه بقوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)". (تفسير القرطبي) (٢٢٧/١٨).
■ وقال ابن تيمية: "(وإنك لعلى خلق عظيم}
● قال ابن عباس ومن وافقه كابن عيينة وأحمد بن حنبل: على دين عظيم. والدين: فعل ما أمر به. ● وقالت عائشة: كان خلقه القرآن. رواه مسلم. وقد أخبرتْ أنه لم يكن يعاقب لنفسه، ولا ينتقم لنفسه، لكن يعاقب لله وينتقم لله. وكذلك أخبر أنس أنه كان يعفو عن حظوظه. وأما حدود اللّٰه فقد قال: (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). أخرجاه في الصحيحين. وهذا هو كمال الإرادة؛ فإنه أراد ما يحبه اللّٰه ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح، وأمر بذلك، وكره ما يبغضه اللّٰه من الكفر والفسوق والعصيان، ونهى عن ذلك". ((مجموع الفتاوى)) (٥٠٤-٥٠٣ /١٠).

■ وقال ابن جُزي: " عبّر ابن عباس عن الخُلق بالدين والشرع، وذلك رأس الخلق، وتفصيل ذلك أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم جمع كل فضيلة، وحاز كل خصلة جميلة، فمن ذلك شرف النسب، ووفور العقل، وصحة الفهم، وكثرة العلم، وشدّة الحياء، وكثرة العبادة، والسخاء، والصدق، والشجاعة، والصبر، والشكر، والمروءة، والتودد، والاقتصاد، والزهد، والتواضع، والشفقة، والعدل، والعفو، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، وحسن المعاشرة، وحسن التدبير، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس، وحسن الصورة، وغير ذلك، حسبم ورد في أخباره وسيره صلى اللّٰه عليه وآله وسلم». ((تفسير ابن جزي» (٣٩٨/٢).

■ وقال السعدي: "(وإنك لعلى خلق عظيم} أي: عاليا به، مستعليا بخُلقك الذي منّ اللّٰه عليك به، وحاصل خلقه العظيم ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي اللّٰه عنها لمن سألها عنه، فقالت: (كان خلقه القرآن)، وذلك نحو قوله تعالى له: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، {فبما رحمة من اللّٰه لنت لهم}، [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى اللّٰه عليه وسلم بمكارم الأخلاق، والآيات الحاثات على الخلق العظيم، فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا، فكان صلى اللّٰه عليه وسلم سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبدّ به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا له إلا أتمّ عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى اللّٰه عليه وسلم». ((تفسير السعدي)) (ص٨٧٩).

(فستبصر ويبصرون * بأيّكم المفتون):
● قال ابن جُزي: "(واختلف في الباء التي في قوله: (بأيّكم) على أربعة أقوال:
*الأول: أنها زائدة.
*الثاني: أنها غير زائدة، والمعنى: بأيكم الفتنة، فأوقع المفتون موقع الفتنة، كقولهم: ما له معقول، أي: عقل.
*الثالث: أن الباء بمعنى "في"، والمعنى: في أي فريق منكم المفتون، واستحسن ابن عطية هذا.
*الرابع: أن المعنى: بأيكم فتنة المفتون، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه". (تفسير ابن جزي)(٣٩٩ /٢).
وقال ابن كثير: "(فستبصر ويبصرون* بأيّكم المفتون) أي: فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك: من المفتون الضال منك ومنهم، وهذا كقوله تعالى: {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر}، وكقوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين})). ((تفسير ابن كثير)) (١٩٠ /٨).

(إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين):
قال الطبري: "إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله، كضلال كفار قريش عن دين اللّٰه وطريق الهدى.
(وهو أعلم بالمهتدين) يقول: وهو أعلم بمن اهتدى، فاتبع الحق، وأقرّ به، كما اهتديت أنت فاتبعت الحق، وهذا من معاريض الكلام. وإنما معنى الكلام: إن ربك هو أعلم يا محمد بك، وأنت المهتدي، وبقومك من كفار قريش، وأنهم الضالون عن سبيل الحق". (تفسير الطبري) (٥٣٢ /٢٣).

(فلا تطع المكذّبين * ودّوا لو تُدهن فيُدهنون)
●قال ابن عطية: "(فلا تطع المكذبين) يريد قريشا، وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: لو عبدت آلهتنا وعظّمتها لعبدنا إلهك وعظّمناه، وودّوا أن يداهنهم النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، ويميل إلى ما قالوا فيميلوا هم أيضا إلى قوله ودينه، والادّهان: الملاينة فيما لا يحل، والمداراة: الملاينة فيما يحل" (تفسير ابن عطية) (٣٤٧ /٥).

(ولا تُطع كلّ حلّافٍ مهين):
● قال ابن تيمية: «نهاه عن طاعة هذين الضربين، فكان فيه فوائد:
منها: أن النهي عن طاعة المرء نهي عن التشبه به بالأولى، فلا يطاع المكذَّب والحلّاف، ولا يُعمَل بمثل عملهما، كقوله: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} وأمثاله، فإن النهي عن قبول قول من يأمر بالخُلق الناقص أبلغ في الزجر من النهي عن التخلّق به.
ومنها: أن ذلك أبلغ في الإكرام والاحترام، فإن قوله: لا تكذب ولا تحلف ولا تشتم ولا تهمز، ليس هو مثل قوله: لا تطع من يكون متلبّسا بهذه الأخلاق؛ لما فيه من تشريفه وبراءته.
ومنها: أن الأخلاق مكتسبة بالمعاشرة، ففيه تحذير عن اكتساب شيء من أخلاقهم بالمخالطة لهم، فليأخذ حذره، فإنه محتاج إلى مخالطتهم لأجل دعوتهم إلى اللّٰه تعالى.
ومنها: أنهم يُبدُون مصالح فيما يأمرون به، فلا تطع من كان هكذا ولو أبداها، فإن الباعث لهم على ما يأمرون به هو ما في نفوسهم من الجهل والظلم، وإذا كان الأصل المقتضي للأمر فاسدا لم يُقبل من الآمر، فإن الأمر مداره على العلم بالمصلحة وإرادتها، فإذا كان جاهلا لم يعلم المصلحة، وإذا كان الخُلق فاسدا لم يُردها، وهذا معنى بليغ ...
ذكر قسمين: المكذبين، وذوي الأخلاق الفاسدة، وذلك لوجوه:
أحدها: أن المأمور به هو الإيمان والعمل الصالح، فضده التكذيب والعمل الفاسد.
والثاني: أن المؤمنين مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فكما أنا مأمورون بقبول هذه الوصية والإيصاء بها فقد نهينا عن قبول ضدها، وهو التكذيب بالحق والترك للصبر، فإن هذه الأخلاق إنما تحصل لعدم الصبر، والصبر ضابط الأخلاق المأمور بها». (مجموع الفتاوى» (٦٥-٦٣ /١٦).
●وقال ابن كثير: "(ولا تطع كل حلاف مهين) وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء اللّٰه تعالى، واستعمالها في كل وقت في غير محلها". (تفسير ابن كثير) (١٩٠ /٨).
●وقال السعدي: ([ولا تطع كل حلاف} أي: كثير الحلف، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كذاب، ولا يكون كذابا إلا وهو {مهين} أي: خسيس النفس، ناقص الهمة، ليس له همة في الخير، بل إرادته في شهوات نفسه الخسيسة". (تفسير السعدي) (ص٨٧٩).

(همّاز مشّاء بنميم):
● قال ابن تيمية: "قوله (ويل لكل همزة لمزة} هو الطعان العياب، كما قال: {هماز مشاء بنميم}، وقال:
{ومنهم من يلمزك في الصدقات}، وقال: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين}، والهمز: أشد؛ لأن الهمز الدفع بشدة، ومنه الهمزة من الحروف، وهي نقرة في الحلق، ومنه: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين}، ومنه قول النبي صلى اللّٰه عليه وسلم: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)...
فالهمز مثل الطعن لفظا ومعنى. واللمز كالذمّ والعيب، وإنما ذُمّ من يكثر الهمز واللمز، فإن الهمزة واللمزة هو الذي يفعل ذلك كثيرا... الهمزة اللمزة يشبه المختال الفخور والجمّاع المحصي، نظير البخيل. وكذلك نظيرهما: قوله (هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد آثيم. عتل بعد ذلك زنيم) وصفه بالكبر والبخل... وذلك ناشئ عن حب الشرف والمال، فإن محبة الشرف تحمل على انتقاص غيره بالهمز واللمز والفخر والخيلاء، ومحبة المال تحمل على البخل، وضد ذلك من أعطى فلم يبخل، واتقى فلم يهمز ولم يلمز». ((مجموع الفتاوى)) (٥٢٢-٥٢١ /١٦).
●وقال ابن كثير: "(مشاء بنميم) يعني: الذي يمشي بين الناس، ويحرّش بينهم، وينقل الحديث لفساد ذات البين، وهي الحالقة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال: مرّ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) الحديث.
... وعن همام بن الحارث قال: مرّ رجل على حذيفة فقيل: إن هذا يرفع الحديث إلى الأمراء، فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة قتات) - يعني: نمام-.
... وعن عبد الرحمن بن غنم -يبلغ به النبي صلى اللّٰه عليه وسلم: (خيار عباد اللّٰه الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد اللّٰه المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت))). (تفسير ابن كثير) (٨/١٩٢- ١٩١)

(مناع للخير معتد أثيم):
قال ابن الجوزي: (((منّاع للخير) فيه قولان:
أحدهما: أنه منع ولده وعشيرته الإسلام، قاله ابن عباس.
والثاني: مناع للحقوق في ماله، ذكره الماوردي). ((زاد المسير في علم التفسير» (٣٢١ /٤).

(عُتل بعد ذلك زنيم):
قال ابن كثير: «أما العُتُلّ: فهو الفظ الغليظ الصحيح الجموع المنوع.
عن حارثة بن وهب قال: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعّف لو أقسم على اللّٰه لأبرّه، ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل عُتُلّ جَوّاظ مستكبر). وقال وكيع: (كل جَوّاظ جَعظَرِيّ مستكبر)... قال أهل اللغة: الجعظري: الفظ الغليظ. والجواظ: الجموع المنوع). (تفسير ابن كثير) (١٩٢ /٨).

(إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) :
●قال السعدي: "وحاصل هذا: أن اللّٰه تعالى نهى عن طاعة كل حلّاف كذاب، خسيس النفس، سيئ الأخلاق، خصوصا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس، والتكبر على الحق وعلى الخلق، والاحتقار للناس، كالغيبة والنميمة، والطعن فيهم، وكثرة المعاصي.
وهذه الآيات وإن كانت نزلت في بعض المشركين، كالوليد بن المغيرة أو غيره لقوله عنه: {أن كان ذا مال وبنين. إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} أي: لأجل كثرة ماله وولده طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة أساطير الأولين، التي يمكن صدقها وكذبها= فإنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف؛ لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم، ويدخل فيه أول الأمة وآخرهم، وربما نزل بعض الآيات في سبب أو في شخص من الأشخاص، لتتّضح به القاعدة العامة، ويُعرَفَ به أمثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة». «تفسير السعدي» (ص٨٨٠).

(سنسمه على الخرطوم):
● قال البغوي: "قال ابن عباس: سنخطمه بالسيف، وقد فعل ذلك يوم بدر.
● وقال قتادة: سنُلحق به شينا لا يفارقه.
● قال القتيبي: تقول العرب للرجل سبّ الرجل سبة قبيحة: قد وسمه ميسم سوء. يريد: الصق به عارا لا يفارقه، كما أن السمة لا ينمحي ولا يعفو أثرها، وقد ألحق اللّٰه بما ذكر من عيوبه عارا لا يفارقه في الدنيا والاخرة، كالوسم على الخرطوم". ((تفسير البغوي)) (١٩٤ /٨).
● وقال ابن تيمية: "(سنسمه على الخرطوم) فيه إطلاق يتضمن الوسم في الآخرة وفي الدنيا أيضا، فإن اللّٰه جعل للصالحين سيما، وجعل للفاجرين سيما، قال تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)، وقال: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) الآية...، فأخبر سبحانه أنه لا بد أن يسم صاحب هذه الأخلاق الخبيثة على خرطومه، وهو أنفه الذي هو عضوه البارز الذي يسبق البصر إليه عند مشاهدته؛ لتكون السيما ظاهرة من أول ما يُرى، وهذا ظاهر في الفجرة الظلمة الذين ودعهم الناس اتقاء شرهم وفحشهم، فإنّ لهم سيما من شر يُعرَفون بها، وكذلك الفَسَقة وأهل الريب». ((مجموع الفتاوى» (٦٩-٦٨ /١٦).
----------------------------
د. أبصار الإسلام بن وقار الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق