الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيّماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً وصلى الله على نبينا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن والاه فبعد:
إن لقاء اليوم يحمل أولي أجنحة وهذا نعت ذكره الله في القران لملائكته الكرام سنُعرِّج عليه من طرائق عدة.
/ قال ربنا وهو أصدق القائلين: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) نحن سنتحدث فقط عن قوله جل ذكره (أُولِي أَجْنِحَةٍ) دروس هذا العام تتكلم عن المضاف والمضاف إليه.
أخبر سبحانه أن الملائكة لهم أجنحة، بعض أهل العلم يقول أن ليس الملائكة جميعاً لهم أجنحة إنما الذين جعلهم الله
رسلاً هم الذين لهم أجنحة، وبعضهم يقول أن الأجنحة لا تكون لهم إلا إذا أرادوا أن ينزلوا في الأرض أو يعرجوا منها إلى السماء فيكون هذا من باب التشكُّل لا من باب أصل الخِلقة. لكننا نقول -والعلم عند الله- أن ظاهر الكتاب والسنة أن هيئة الملك -عليهم السلام جميعاً- فيها الجناح أصل خلقي مع اختلاف مابينهم من الأجنحة جاء في الحديث الشريف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى جبريل وقد سد الأفق وله ست مئة جناح. سنتكلم عن الجناح من وجه وعن الملائكة من وجه آخر.
أما الكلام عن الجناح فإن الله -عز وجل- لما ذكر الخلق قال (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْء) قوله (إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) أشكل أهل العلم على معرفته لكن أظهر ماوقفنا عليه أظنه منقول عن أنه قال أمم في خمسة أشياء:
- في الخلق فهم يُخلقون مثلنا ويتناسلون
- وفي الرزق فالطير والبهائم كلها تحتاج إلى الرزق
- وفي الموت فسائر الخلق يموتون
- والرابعة في البعث
فظاهر القران أن سائر الخلق يبعثون والخامسة في الحساب؟ لا لأنهم غير مكلفين أنا قلت الآن خلق وموت ورزق وبعث فلماذا يبعثون إن كانوا لن يحاسبوا؟ للاقتصاص والاقتصاص غير الحساب جزء من الحساب
فيُقال في الخامسة والاقتصاص فيقتص من الشاة القرناء للشاة الجماء. وبعض أهل العلم يراهم لا يبعثون، لكن نقول أن ظاهر القرآن أنهم يُبعثون ربنا يقول (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) ويقول (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) فهي نصوص قرآنية مهما بلغ اجتهاد العالِم لكن نقول أن القول لا نرى أن عليه دليلاً موافق هذا الكلام.
الآن عن الجناح نفسه لما قال ربنا (أُولِي أَجْنِحَةٍ) كذلك الجناح جاء في القرآن أن هناك جناح اسمه جناح الذل ربنا يقول في حق الوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) الذل غير الجناح الآن نتكلم عن الذُّل أنه قسمان: ذُل يرفع وذُل يضع. الآن السجود هيئة ذُل لذلك لا يُقبل مهما كان من أمامك -ملك أو غيره- لا يُقبل أبدا أن تسجد له لأن هذا ذُلّ ليس بعده ذُلّ هذا لو قُدر أن أحد جاء إلى أحد ملوك الدنيا
وسجد له هذا ذُلّ يضع، لكن لو أن أحد سجد لا يريد بسجدته إلا الله هذا ذُلّ يرفع.
الجناح: آلة بها يرتفع الطائر، ربنا هنا ما قال (وارفع) قال (واخفض) مع أنه إذا أردت أن أعلو لا أخفض بل أرفع الجناح مع ذلك قال ربنا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) إن خفضت جناح الذُلّ لوالديك رفعك الله -عز وجل- في الدنيا والآخرة، وهذا ذل يرفع، ولا يستعير عاقل ولا من يعرف نصوص الكتاب والسنة من أن يخدم والديه أي خدمة -بلا استثناء- يريدانها في غير معصية الله والله
أعلم بنا وبهم وقد وصانا بهما وقال (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) نحن لا نملك الحقوق ولا ندري ما الذي يصلحنا، من الذي يجيرنا ولا يعلم ما يصلحنا وما يجيرنا ويملك الحقوق إلا الله، فلما أمر ربنا ونحن عبيد له عبيد قهر وعبيد طاعة وجب علينا بغير جدال أن نبرهما إذ ليس بعد الشرك ذنب مع ذلك يقول ربنا (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا) أي في الشرك (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) أنت تراه يسجد لغير الله ومع ذلك يأمرك الله أن تصاحبه في الدنيا معروفاً فكيف إذا كان والدك وكانت أمك يسجدان لله؟ يعظُم البِر، يجِلّ، يكبر قال ربنا (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قلنا أن خفض
الجناح هنا يرفع الله -عز وجل- به العبد هذا كله يتعلق بلفظ الجناح.
نعود الآن للملائكة الكرام، طلب العلم من أشرف ما يطرقه بني آدم، والملائكة لها أجنحة -كما مر معنا- ونبينا -عليه السلام- يقول (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع) والعلم لمن رزقه الله إخلاص النية فضله كبير وشأنه أعظم لكن يحتاح مع ذلك إلى شيئ من الفطنة ولا يكفي فيه القراءة والحفظ لوحدهما، ومن العلماء الأجلاء عبر تاريخ الأمة الطويل الحبر بن العباس -رضي الله عنه وأرضاه- يقولون أن احد الرُعاة يرعى غنم قال له يا ابن عباس إن لي غنم أرعاها لأهلي يعني لسيدي وانني لبسبيل يعني بطريق يطرقه الناس ويسألونني اللبن أأُعطيهم؟ قال لا، ثم قال يا ابن عم رسول الله أما وأني أرمي فأصمي وأنمي فماذا تقول؟ -والله لو سألها في زماننا هذا لما أجابه أحد- المهم
فقال -رضي الله عنه- "كُل ما أصميت ودع ما أنميت". الرجل يقول انني أرمي يعني أصيد الله يقول (احل لكم الصيد ) فالرجل يتكلم عن الصيد فيقول أرمي وهذا لا إشكال فيها لأن السؤال عن الرمي "فأصمي ثم أنمي" الإصماء: أن يموت الصيد وأنت تراه يعني تقتله ثم تراه يموت وأنت تبصره، والإنماء: أن ترمي الصيد فيموت بعد أن يبعد عن بصرك يعني لم تره وهو يموت، فابن عباس يقول له كُلْ ما أصميت يعني ماصدته ومات وأنت تبصره فكُله وماصدته -رميته- ثم توارى عنك ثم جئت وهو ميت ولم تره وهو يموت فلا تأكله لأنك لا تدري أمات من رمي أو بسبب آخر، فقال ابن عباس: كُل ما أصميت ودع ما أنميت. اقول الفطنة مطلوبة والحفظ مطلوب وجِماع الأمرين تقوى الله. هذا ما يتعلق بوضع الملائكة التي أجنحتها لطالب العلم
لذلك ذكرت الملائكة في أحوال آخر الزمان قال عليه السلام: (ويخرج المسيح من جهة المشرق وهمته المدينة حتى إذا أتى دبر أُحد ردته الملائكة -صرفت وجهه- تلقاء الشام فهناك يهلك) هذا حديث صحيح عن الرسول -عليه السلام- قال يأتي المسيح من جهة المشرق أي مسيح؟ المسيح الدجال الذي يدعي الربوبية، وهمته المدينة أي ليس له مقصد غير المدينة وهو يمر على
الأرض كلها باستثناء مكة والمدينة هذا بالنسبة له، لابد أن تُفرق، هو لن يدخل مكة، مُحرم عليه لا يستطيع دخولها لكن هو أصلا لا يحاول أن يدخل مكة يعني الدجال لن يطأ مكة البتة هذا كلام الصادق المصدوق، لكن الدجال أصلا لا يريد مكة، ثم قال عليه السلام (وهمته المدينة) يعني مُراده المدينة حتى يأتي دُبر أُحُد، أُحُد: جبل يعني خلف أُحُد، وفي الحديث أنه يرى المسجد النبوي
ويقول هذا قصر محمد هنا تأتي الملائكة فتصرف وجهه تلقاء الشام وهذا ظاهره ولا أجزم أن الدجال يرى الملائكة وكل ملك معه السيف صلتا يعني مسلولاً على ثمانية ابواب يومئذ للمدينة، فالملائكة تمنع الدجال أن يدخل المدينة رغم أن الدجال همته، مقصوده من الإتيان من المشرق وتكلّفه الطرقات كلها يريد أن يدخل المدينة فتصرف الملائكة وجهه تلقاء الشام، ثم قال (فهناك) أي في الشام (وهناك يهلك) وقد ورد في أحاديث أخرى صحيحة أنه يهلك على يدي عيسى عليه السلام هذا يدل على أن هناك ارتباط وثيق جليل بين ملائكة الرحمن وبين مدينة رسول الله عليه السلام ولا ريب أن المدينة فيها من الفضل مالا يعلمه الا الله يقول الشاعر:
وتألقت في طيبة سرج الهدى ** ما بين روضة سيدي والمنبرِ
صلوات الله عليه إذ قال -عليه السلام- من قبل وبنى عليه قول الشاعر (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).
نقول تصرف وجهه الملائكة تلقاء الشام هذا علاقة الملك بالدجال، ثم قلنا أن الدجال يهلك على يدي عيسى بن مريم كيف ينزل عيسى؟ ينزل واضعا يديه على أجنحة ملك عدنا لقول الله (أُولِي أَجْنِحَةٍ) قال عليه السلام (فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع يميل إلى الحمره
كأنه خرج من ديماس) أي كأنه لتوه متوضئ، بل جاء في حديث صحيح عن النبي عليه السلام : (من أدركه منكم فليقرئه مني السلام) ونزوله -عليه السلام- أمر لا ينبغي التشكيك فيه مثقال ذرة، نطق به القرآن والسنة يفقه ذلك من يفقهه وربما غاب عن بعض الناس -عفى الله عنا وعنهم- ربنا يقول (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)
يقول (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وفي قراءة (لعلم للساعة) وأحاديث لا تحصى في الصحيحين وفي غيرهما (يوشك أن ينزل في غيركم عيسى بن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل خنزيراً ويحكم بالعدل) سلام الله عليه لكنه يبقى تابعا لنبينا صلى الله عليه وسلم ولا يُعد نزوله نبوة، نحن نتكلم الآن القضية الكبرى قضية الملائكة هؤلاء الملائكة ذكرنا علاقته بالدجال وعلاقته
بعيسى ابن مريم عليه السلام.
جاء الجناح في القران في خبر نبي الله موسى (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) والرهب هو: الخوف، فالله أرشد موسى واضمم أن هذا ورد معنى وضع يده اليمنى على يسراه يعني على صدره حتى تسكن نفسه (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) .
لما كان الجناح يأتي في أحد الطرفين اقتص منه لفظ الميل فيأتي بالقران لما يقول ليس عليك لوم
يقال فلا جناح عليكم يعني ما كأنك ملت وكأنك لم تحد عن طريق الله يعني مازلت مستقيماً إذا رفع الله عنك الجناح كما قال في السعي بين الصفا والمروة .
هذا ماتيسر قوله وإعداده وأعان الله على قوله في قوله تعالى(جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) وصلى الله على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق