تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٠) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…)
ن/ " ثم شرع تعالى يُذكر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون* وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا وإياي فاتقون* ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) (يا بني إسرائيل) المراد بـ (إسرائيل) يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فِرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى بعدهم، فأمرهم بأمر عام فقال (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها. والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح استعمالا فيما يحبه ويرضيه.
(وأوفوا بعهدي) وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه.
(أوفِ بعهدكم) وهو المجازاة على ذلك.
والمراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنين عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي) إلى قوله (فقد ضل سواء السبيل)، ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى، وخشيته وحده، فإن مَن خشيه أوجبت له خشيته امتثال أمره، واجتناب نهيه."
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا فقهنا في الدين، وعلمنا التاويل، أما بعد:
هذه الآيات وما بعدها هي وصايا لبني اسرائيل أبناء يعقوب عليه السلام، لأن إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، (يا بني إسرائيل) أي يا أبناء يعقوب ولذا جاء في الحديث في المسند وغيره (أن نفرا من اليهود أتوا النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أتعلمون أن إسرائيل يعقوب؟ قال نعم، قال اللهم فاشهد) أو كما جاء في الحديث. فإسرائيل هو يعقوب، (يا بني إسرائيل) أي بني يعقوب، ناداهم بهذا النداء أبوة إسرائيل لهم الذي هو يعقوب نبي من أنبياء الله (يا بني إسرائيل)، وتتكرر هذه المناداة (يا بني إسرائيل) هذه - كما ذكر أهل العلم - فيها إثارة للنفس، تهييج للنفس حتى تُقبل على الوصية، أرأيت لو قلت لأحد الأشخاص - مذكرا له بكرم والده وفضله وإحسانه - لو قلت له يا ابن فلان الكريم كن مثل والدك، أو أعمل كذا، هذا فيه حث، فيه تهييج للنفس، فقوله (يا بني إسرائيل) كأنه يقول يا أبناء هذا العبد الصالح المطيع لله عز وجل، القائم بأمر الله، الممتثل لأمر الله سبحانه وتعالى كونوا مثله، أطيعوا الله، امتثلوا أوامر الله، التزموا بوصاياه سبحانه وتعالى لعباده.
(يا بني إسرائيل) إسرائيل هذه اللفظة تتكون من كلمتين (إس) و (رائيل) وهي بمعنى عبد الله، ولهذا جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إسرائيل كقولك عبد الله" (يا بني إسرائيل) أي يا أبناء هذا العبد الصالح المطيع لله عز وجل، العابد لله جل وعلا اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم. ثم جاء بعد ذلك جملة من الوصايا في هذه الآية وآيات بعدها، لكن بُدأت الوصايا بماذا؟ (اذكروا نعمتي)، ولعلك وأنت تطالع القرآن وتتدبر آياته تجد في دعوات الأنبياء يأتي التذكير بالنعمة (فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)، (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، و (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) يأتي كثيرا التذكير بالنعمة، والتذكير بالنعمة وذكرها في القلب باب عظيم لإقبال القلب على المُنعم لما يذكر النعمة، ويُذكّر بالنعمة وعظمها هذا باب عظيم في تأثيره على القلب بإقباله على المُنعم المتفضل سبحانه وتعالى.
● ذكر النعمة بالقلب أن يعرف بقلبه عظم نعمة الله عليه، وأن يكون ذاكرا هذا في قلبه، فضل الله وإنعامه ومنّه وكرمه سبحانه وتعالى.
● وبلسانه حمدا وشكرا وثناء على المُنعم سبحانه وتعالى، نحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، حمدا وثناء على المُنعم.
● وبالجوارح استعمالا للنعم في طاعة المُنعم لا في ما يسخطه ويغضبه سبحانه وتعالى.
وقوله (نعمتي) هذا مفرد مضاف فيفيد العموم. وأهل العلم من المفسرين لهم في قوله (نعمتي) أقوال:
/ منهم من قال التوراة، قال المراد بالنعمة التوراة.
/ ومنهم من قال: إنجاء آبائهم من فرعون وآله.
/ ومنهم من قال: تعم كل نعمة، لفظها واحد ومعناها جمع، والمفرد إذا أضيف يفيد العموم (وما بكم من نعمة فمن الله)، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) نِعم الله (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فالمفرد إذا أضيف أفاد العموم، ولا تعارض مع إفادة الآية الجمع مع تفسير بعض أئمة السلف لها بالتوراة أو بالإنجاء، هذا تفسير ببعض أفراد النعمة لا على وجه الحصر والتخصيص.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
أن يُذكّر الغافل والعاصي واللاهي والمُعرض بنعمة الله عليه: يا فلان اتق الله، اذكر نعمة الله عليك، انظر هذه النعم التي أمدك الله بها في صحتك، في عافيتك، في مالك، في قوتك، اذكر نعمة الله عليك، اتق الله يا عبد الله، هذا نافع جدا وهو كثير -كما قدمت- في دعوات الأنبياء لأقوامهم، ولهذا الكافر يُذكّر بالنعمة في سبيل استصلاحه وهدايته للإسلام، والعاصي كذلك يذكر بالنعمة، يذكر بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه.
■ (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)
(أنعمت عليكم) أي تفضلت بها عليكم ومننت بها عليكم، وهذا فيه أن النعمة فضل الله ومنه وحده جلّ في علاه (وما بكم من نعمة فمن الله).
●(وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم)
عهدي: أي ما عهدت إليكم من التزام بالشرع وامتثال للأمر، واجتناب للنهي.
المقصود بالوفاء بالعهد: العمل بالشرائع امتثالا للأوامر، واجتنابا للنواهي، قال أبو العالية رحمه الله تعالى: "عهده إلى عباده دينه الإسلام أن يتبعوه" قال (أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم) (عهدكم) أي ما وعد الله عز وجل به المطيع من قبول عمله وإثابته عليه، فقوله (أوفِ بعهدكم) أي بالقبول لأعمالكم، وإثابتكم عليها الثواب العظيم.
● قال: (وإياي فارهبون) أي: اخشوني وخافوني، وهذا ترهيب. والذي قبله (أوفِ بعهدكم) ترغيب، فجُمع في هذه الآية لهم بين الترغيب والترهيب، وهذا مسلك القرآن في الدعوة ترغيب وترهيب،
وهذا أيضا يستفاد منه - إضافة إلى ما سبق- أهمية الترغيب والترهيب في باب الدعوة، وإيقاظ القلوب واستصلاح الناس، وهذا نهج القرآن.
قال (وإياي فارهبون* وآمنوا بما أنزلت)
المقصود بالمُنزل القرآن: وحي الله، وتنزيله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين.
(أنزلت) والنزول من أعلى وهذا فيه إثبات علو الله على خلقه، لأن القرآن نزل من الله (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) والنزول إنما يكون من أعلى. (أنزلتُ) المراد بالمُنزل القرآن.
(مصدقا لما معكم) أي الكتاب الذي معكم، والخطاب لبني إسرائيل، الكتاب هو التوراة ثم نزل من بعده الإنجيل، ثم جاء هذا القرآن (مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) ولهذا فإن قوله (مصدقا لما معكم) فيه أن القرآن حاكم على الكتب التي قبله وقد دخلها تحريف، فما حكم القرآن عليه بالحق فهو حق، وما حكم عليه بخلاف ذلك فهو باطل.
(وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكون أول كافر به)
● قوله (ولا تكونوا أول كافرا به) قيل: (به) أي محمد عليه الصلاة والسلام، وقيل (به) أي القرآن وكلا القولين صحيح، يتناوله اللفظ ويتناوله السياق، (وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) لما خوطب بنوا إسرائيل بهذا الخطاب ألم يكن يوجد كفار كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وكذبوه؟ أكان موجود كفار أو لم يكن؟ كفار قريش لما نزل هذا الخطاب لبني إسرائيل كانوا موجودين كفارا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فما معنى (أول كافر به) وهو يوجد أناس وأقوام سبقوهم إلى الكفر بالقرآن والكفر بالرسول؟
أول كافر به من جنسكم أنتم يا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل، (ولا تكونوا أول كافر به) أي يا أيها المخاطبون بهذا الخطاب، يا بني إسرائيل، نعم، يوجد كفار من قريش ومن العرب عموما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل هؤلاء، فإذن قوله (ولا تكون أول كافرا به) يعني أنتم يا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل.
● قوله (ولا تكونوا أول كافرا به) فيه دلالة أن المتقدم إلى الكفر والسابق إليه أعظم جرما ممن أتى بعده لماذا؟
● قال (ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآيات ثمنا قليلا)
(تشتروا بآياتي) تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا. (ثمنا قليلا) ما المراد به؟ المتع الدنيوية، إما رئاسة فبعض هؤلاء المخاطبين كان رئيسا في قومه، زعيما له شأن، له مكانة، فيخشى إن أعلن إسلامه تذهب هذه المكانة فماذا يصنع؟ يشتري بآيات الله ثمنا قليل هذه الرئاسة التي يطمع فيها. بعضهم كان له لمكانته لمنزلته في قومه أعطيات من قومه يؤدونها، فيخشى أن هذه كلها تتوقف، له شأن في قومه، يخشى أن يذهب هذا الشأن وهذه المكانة فيشتري بآيات الله، يستبدل بآيات الله الثمن القليل.
ماذا تكون لو اشترى بالدنيا بحذافيرها آيات الله؟ يعني هذا مغبون، خاسر أعظم الخسران، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأعمال الصالحة يقول (خير من الدنيا وما فيها) (خير مما طلعت عليه الشمس) بعض الأعمال الصالحة مثل ركعتي الفجر النافلة، قال (خير من الدنيا وما فيها) وقال: (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) يعني الدنيا وما فيها، فإذا كان الدين كله استبدله بـ: إما رئاسة، أو قليل من المال، أو شيء من الجاه أو المكانة، هذا خاسر أعظم الخسران، استبدل أيات الله بالثمن القليل.
(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون)
اتقوا الله، انتبهوا، اجعلوا بينكم وبين غضب الله وسخطه وعقابه والنار وقاية تقيكم بفعل الأوامر وترك النواهي كما قال طلق ابن حبيب رحمه الله - من علماء التابعين – قال: "(تقوى الله أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".
● قال (ولا تلبسوا) لا يزال السياق في الوصايا لبني إسرائيل (ولا تلبسوا الحق بالباطل) اللبس: هوالخلط، لبس الحق بالباطل خلطه بالباطل، وهذه الطريقة يفعلها من يفعلها من أئمة الضلال من من أجل ترويج الباطل على العوام والجُهال، يخلط الباطل بشيء من الحق حتى يغتر العوام بما يرونه فيه من الحق، أو الجانب الذي فيه من الحق، فيغتر بذلك، فيفعل ذلك الباطل. تلبس الحق هذه وسيلة يفعلونها من أجل التغرير بالعوام، ومن ذلك ما يفعله كثير من أهل الضلال بتسمية الأعمال الباطلة التي يدعون إليها بأسماء جميلة، أو أسماء حسنة، أو أسماء طيبة، فيغتر الجهال بتلك الأسماء، هذا من لبس الحق، تلبس الحق بالباطل.
بعض المفسرين ذكروا مثال على ذلك لأن قبلها قال (آمِنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به) عرفنا أن بعض المفسرين قالوا: (أول كافر به) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا تكونوا أول كافر به، فبعض علمائهم في ذلك الوقت لما قامت الحجج، وظهرت أن هذا النبي هو الذي بُشر به في التوراة، وذُكر باسمه، وذُكرت صفاته، وبدأ هذا الأمر يظهر بين اليهود، وبدأ بعضهم يدخل في الإسلام، رأوا شيئا واضحا، فبعضهم قالوا: نحن ذكر عندنا في التوراة أنه سيبعث نبي، وبُشرنا في التوراة بنبي من الأميين، لكن لم يذكر أنه من العرب، وهذا من العرب، لم يذكر أنه من العرب، فكانوا يأتون بأشياء يُلبسون بها على العوام، وفعلا أثروا على العوام، أو على عدد من العوام، فبقوا على الكفر بسبب هذه الطريقة لبس الحق بالباطل.
وأيضا طريقة أخرى كانوا يسلكونها: كتمان الحق، اليهود وخاصة علماؤهم عُرِفوا بأمور سيئة للغاية في التعامل مع الشرع أخطرها - وكلها ذكرت في القرآن- التحريف، ولبس الحق بالباطل، وكتمان الحق.
● قال: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق)، (تكتموا الحق) أي تخفوه، الكتمان ضد البيان (وتكتموا الحق) و(تكتموا) هذا معطوف على الفعل المجزوم بـ (لا الناهية)، ولا تلبسوا، ولا تكتموا، (ولا تلبسوا الحق) (وتكتموا) أي: ولا تكتموا الحق.
(وأنتم تعلمون) الواو هنا حالية أي والحال أنكم تعلمون أنه حق، حق مُنزل من الله سبحانه وتعالى رب العالمين.
ثم أمرهم بأعظم فرائض الدين وهذا فيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، أمرهم بأعظم فرائض الدين بعد الإيمان والتوحيد وهو إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
قال (وأقيموا الصلاة) ولم يقل صلوا، ولهذا في القرآن (يقيمون، أقيموا) لأنه مطلوب من العبد إقامة الصلاة أي بأركانها وشروطها وواجباتها، والحرص على توفيتها وتكميلها. (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) أي التي افترضها الله وكتبها عليكم، وإيتاؤها: إخراجها في وقتها بنفس طيبة سمحة متقربا بذلك العمل إلى الله سبحانه وتعالى. وسميت زكاة لأنها زكاة للنفس والمال والمجتمع.
●(وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)
● قال المصنف رحمه الله: "(يا بني إسرائيل) المراد بـ (إسرائيل) يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فِرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى بعدهم، كلهم يتناولهم هذا الخطاب، فأمرهم بأمر عام فقال (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم"
قال الشيخ: "وهو يشمل سائر النِعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها"، قال مجاهد رحمه الله: "نعمة الله عليهم فيما سمى - أي ذكر في القرآن- وفيما سوى ذلك، فجّر لهم الحجر، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وأنجاهم من عبودية آل فرعون" ذكر أمثلة فقط، فهو لفظ عام يتناول كل نعمة أنعم بها عليهم، قال: "وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها" ولهذا سيأتي بعدها بآيات (وإذ أنجيناكم من آل فرعون) اذكروا هذه النعمة، اذكروا إذ أنجيناكم من آل فرعون، وهكذا يأتي ذكر نعم عديدة أنعم الله، (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) ويُذكّرهم، في السورة ذكر بعض النعم، إذ دا قوله (نعمتي) تتناول النعم التي ذكر بعضها في هذه السورة والنعم أيضا التي لم تُذكر، نعمتي أي عموم نعمي عليكم.
قال: "والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح باستعمالها فيما يحب الله ويرضى سبحانه وتعالى"
● قال: "(وأوفوا بعهدي) وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه" وتقدم قول أبي العالية: "عهده إلى عباده دينه الإسلام أن يتبعوه" قال: "وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله، وإقامة شرعه، (أوفِ بعهدكم) وهو المجازات على ذلك بالثواب والجنة والنعيم". ابن عباس رضي الله عنهما قال في معنى قوله (أوفِ بعهدكم): "أدخلكم الجنة لأن الله عز وجل وعد من أطاعه وأتبع رسله بالجنة، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
قال: "وهو مجازاتهم على ذلك"، والمراد بذلك ما ذكره الله في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لأن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك فقد ضل سواء السبيل). جاء في الأثر عن قتادة رحمه الله تعالى بقوله (وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) قال: "العهد الذي أخذ الله عليهم في قوله (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنين عشر نقيبا) وذكر الآية بتمامها إلى قوله تعالى (فقد ضل سواء السبيل)، فتكون هذه الآية التي في سورة المائدة مفسرة لقوله (أوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم) فإن قوله (أوفوا بعهدي) هو قوله (لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا) ، وقوله (أوفِ بعهدكم) تفسيره قوله (لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار).
● ثم بعدها قال (وإياي فارهبون) هذا ماذا قلنا هنا في تمام الآية؟ قال (فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء في السبيل) فهذه الآية التي في المائدة مفسرة لقوله (وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون).
ن/ قال رحمه الله: " ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى، وخشيته وحده، فإن من خشيه أوجبت له خشيته امتثال أمره، واجتناب نهيه".
ت/ نعم يقصد قول ختم الله الآية بقوله (وإياي فارهبون) هذا ترهيب وتهديد وتخويف يحمل المرء على الطاعة والامتثال. نعم.
ن/ قال رحمه الله: " ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به فقال (وآمنوا بما أنزلت) وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فأمرهم بالإيمان به واتباعه، ويستلزم ذلك الإيمان بمن أُنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم فقال (مصدقا لما معكم) أي موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فما فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون فأنتم أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل الكتب والعلم".
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما...
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.