الأربعاء، 25 يونيو 2025
سورة الفاتحة
الثلاثاء، 24 يونيو 2025
فوائد سورة المرسلات (١-١٥)
● عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، وقد أُنزلت عليه: (والمرسلات عرفا)، فنحن نأخذها من فِيه رطبة، إذ خرجت علينا حية، فقال: "اقتلوها" فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقاها الله شركم كما وقاكم شرها.) صحيح البخاري (۳) ١٤)، «صحیح مسلم (٤ / ١٧٥٥).
● عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ منكم بـ (والتين والزيتون) فانتهى إلى آخرها (أليس الله بأحكم الحاكمين) فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين.
ومن قرأ: (لا أقسم بيوم القيامة) فانتهى إلى (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فليقل: بلى،
ومن قرأ: (والمرسلات) فبلغ (فبأي حديث بعده يؤمنون) فليقل : آمنا بالله". سنن أبي داود (٢ / ١٦٣)، (مسند أحمد» (١٢) .(٣٥٣
(والمرسلات عرفًا * فالعاصفات عصفًا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا)
🔘 قال ابن تيمية : اسم الملائكة والمَلك يتضمن أنهم رسل الله، كما قال تعالى: (جاعل الملائكة رسلا)، وكما قال: (والمرسلات عرفا) فالملائكة رسل الله في تنفيذ أمره الكوني الذي يدبر به السموات والأرض كما قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، وكما قال: (بلى ورسلنا لديهم يكتبون)، وأمره الديني الذي تنزل به الملائكة فإنه قال: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده)، وقال تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)، وقال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)" مجموع الفتاوى (٤ / ١١٩)
🔘وقال ابن تيمية: «الملائكة يُقرّ بها عامة الأمم، كما ذكر الله عن قوم نوح وعاد وثمود وفرعون مع شركهم وتكذيبهم بالرسل أنهم كانوا يعرفون الملائكة. قال قوم نوح: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة)، وقال تعالى: (أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة)
وقال فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) وكذلك مشركو العرب، قال تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون)، وقال تعالى: (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) ، وقال تعالى عن الأمم مطلقا : (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا* قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) فكانت هذه الأمم المكذبة للرسل المشركة بالرب مُقرة بالله وبملائكته فكيف بمن سواهم!! فعلم أن الإقرار بالرب وملائكته معروف عند عامة الأمم؛ فلهذا لم يقسم عليه، وإنما أقسم على التوحيد لأن أكثرهم مشركون».ا.هـ مجموع الفتاوی (۱۳/ ۳۱۹).
✔️والمراد : أن الله لم يُقسم لإثبات وجود الملائكة وإنما أقسم بهم سبحانه على أمور أخرى مما أراد سبحانه أن يؤكدها.
وقال ابن القيم: "الملائكة موكلة بالعالم العلوي والسفلي، تدبره بأمر الله عز وجل كما قال تعالى: (فالمدبرات أمرا)، وقال (فالمقسمات أمرا)، وقال تعالى: (والمرسلات عرفا* فالعاصفات عصفا* والناشرات نشرا* فالفارقات فرقا* فالملقيات ذكرا)
وقال: (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا* والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا* فالمدبرات أمرا) ». روضة المحبين ونزهة المشتاقين» (ص ۸۹).
وقال الألوسي: «قيل: أقسم سبحانه بمن اختاره من الملائكة عليهم السلام على ما أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد، فقيل: المرسلات والعاصفات طوائف، والناشرات والفارقات والملقيات طوائف أخرى.
فالأولى: طوائف أرسلن بأمره تعالى وأمرن بإنفاذه، فعصفن في المُضي وأسر عن كما تعصف الريح تخففا في امتثال الأمر وإيقاع العذاب بالكفرة إنقاذا للأنبياء عليهم السلام ونصرة لهم.
والثانية: طوائف نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عليهم السلام » تفسير الألوسي (١٥ / ١٨٨).
✔️يعني رحمه الله: أن العطف بالواو يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه. وهذا هو الأصل، وما جاء بخلاف الأصل فهو قليل ونادر.
▪️(عذرا أو نذرا):
قال ابن القيم: «قال تعالى: (فالملقيات ذكرا* عذرا أو نذرا) فإنه من تمام عدله وإحسانه أن أعذر إلى عبيده، ولم يأخذ ظالمهم إلا بعد كمال الإعذار وإقامة الحجة». مدارج السالكين» (۱) ۲۸۲).
▪️(إنما توعدون لواقع)
قال القرطبي: (إنما توعدون لواقع) هذا جواب ما تقدم من القسم، أي ما توعدون من أمر القيامة لواقع بكم ونازل عليكم». الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٦).
▪️(فإذا النجوم طمست)
قال القرطبي: (فإذا النجوم طمست) أي ذهب ضوؤها ومحي نورها كطمس الكتاب، يقال: طمس الشيء إذا دُرس وطُمس فهو مطموس، والريح تطمس الآثار، فتكون الريح طامسة، والأثر طامسا بمعنى مطموس». «الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٧).
▪️(وإذا الرسل أقتت)
قال البغوي: (وإذا الرسل أقتت)
● قرأ أهل البصرة (وقتت) بالواو
● وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف
● وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف (أُقّتت)
وهما لغتان والعرب تعاقب بين الواو والهمزة
-أي تستخدم هذا مكان هذا، وهذا مكان هذا- كقولهم: وكدتُ وأكدت، و ورَّخت وأَرخت ومعناهما أي (وقتت) و (أُقّتت) جُمعت لميقات يوم معلوم وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم». «تفسير البغوي (٣٠٥/٨).
▪️( ويل يومئذ للمكذبين)
قال القرطبي: "وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من تكذيبه بغيره، لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله، فإنما يُقسم له من الويل على قدر ذلك". الجامع لأحكام القرآن» (١٩/ ١٥٨).
التعليق على تفسير سورة المرسلات (١-١٥)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذه الفقرة المتعلقة بالتعليق على تفسير الآيات من سورة المرسلات من الآية الأولى وحتى الآية الخامسة عشرة من المختصر في تفسير القرآن الكريم، نعم.
ت / نعم، من فوائد الآيات خطر التعلق بالدنيا ونسيان الآخرة وذلك أن ما يوعد الناس له يوم القيامة واقع لا محالة كما أقسم الله على ذلك ثم قال (إنما توعدون لواقع) أي فيجب أن تستعدوا لذلك اليوم بالأعمال الصالحات. ثم بين أهوال ذلك اليوم العظيم وأن الله سيفصل فيه بين أهل الحق وأهل الباطل فلا بد من التعلق بالآخرة وعدم التعلق بالدنيا. والله المستعان.
الجمعة، 20 يونيو 2025
البسملة/ قوله "الثامنة: الرحمن الرحيم صفتان من الرحمة...
ن
قال ابن جُزيٍّ: "الثامنة: الرحمن الرحيم صفتان من الرحم ومعناهما الإحسان فهي صفة فعل وقيل: إرادة الإحسان، فهي صفة ذات"
الثلاثاء، 17 يونيو 2025
الدرس الأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٢٨) (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا..
تفسير سورة البقرة: من الآية (٢٨) (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا…)
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم قال تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم وأنعم عليكم بأصناف النعم، ثم يميتكم عند استكمال آجالكم ويجازيكم في القبور، ثم يحييكم بعد البعث والنشور، ثم إليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبِره وتحت أوامره الدينية، ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي، أفيليق بكم أن تكفروا به؟ وهل هذا إلا جهل عظيم، وسفه كبير، بل الذي يليق بكم أن تتقوه وتشكروه، وتؤمنوا به، وتخافوا عذابه، وترجوا ثوابه.
🎙بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا، إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد:
قول الله جل وعلا (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون)
هذه الآية فيها ذكر البراهين البينات والدلائل الواضحات على وجوب الإيمان بالله سبحانه وتعالى وأداء حقوقه على عباده جل وعلا. وعدم الكفر به، فهي آيات بينات ظاهرات لمن تأملها، وهي مذكورة في هذه الآية قال (كيف تكفرون بالله) أي لا عذر لأحدكم في الكفر والحجج أمامكم ظاهرة وبينة، وذكر أربعة براهين في هذه الآية مثل ما تقدم معنا في قوله جل وعلا (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) هذه كم؟ أربعة، ذكر أربع براهين، وهنا كذلك ذكر أربعة براهين قال: (كيف تكفرون بالله) أي لا عذر لأحدكم في الكفر بالله سبحانه وتعالى وأنتم تعاينون البراهين الواضحة، والدلائل الساطعة على وجوب الإيمان به وعدم الكفر به سبحانه وتعالى، (وكنتم أمواتا) هذا الأول، (فأحياكم) هذا الثاني، (ثم يميتكم) هذا الثالث، (ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) فذكر سبحانه وتعالى برهانا على وجوب الإيمان به والتحذير من الكفر به ذكر موتتين وحياتين، موتتين لهذا العبد وحياتين، وهما دالتان على عظمة الله عز وجل وكمال تدبيره، وأن الخلق طوع تدبيره سبحانه وتعالى. وأن الخلق خلقه جل وعلا أوجدهم من العدم، أحياهم بعد الإماتة وبعد هذه الحياة التي يعيشونها يميتهم ثم يحييهم، وهذه البراهين الأربعة المذكورة ثلاثة منها مشاهدة وواحد منتظر.
مشاهدة للعالمين قال (كنتم أمواتا) أي لم تكونوا شيئا مذكورا قبل وجودكم في هذه الحياة الدنيا لم تكونوا شيئا مذكورا، وكنتم في أصلاب آبائكم، ثم كنتم نطفة ثم علقة، ثم بعد ذلك أحياكم، وبدأت الحياة في رحم الأم عندما ينفخ فيه الروح يُرسل الله جل وعلا ملك فينفخ فيه الروح، يخرج إلى هذه الدنيا حيا، كان حيا في بطن أمه، هذه كلها يتناولها قوله (فأحياكم)، ثم يعيش في هذه الحياة الدنيا ما كتب الله له، منهم من يعيش في هذه الدنيا ثواني بعد خروجه بطن أمه، أو ساعات أو أيام، ومنهم من يُعمّر (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا)، ثم يميتكم بعد هذه الحياة، والناس يرون في أيامهم ولياليهم فلان مات والده، فلان ماتت والدته، فلان مات أخوه، فلان مات جاره، ويُصلون على الأموات، ويشاهدون الأموات (ثم يميتكم) هذه كلها ثلاث مشاهدة في هذا العالم، (ثم يحييكم) الذي هو البعث بعد الموت، ولهذا فإن هذه الآية كما أنها دليل على وجوب توحيد الله والإيمان به وعدم الكفر به سبحانه وتعالى، فهي أيضا دليل على البعث لأن الذي أوجدهم من العدم، لم يكونوا شيئا مذكورا قادر على إحيائهم بعد الموت، وبعثهم بعد الموت..
ذكر الله سبحانه وتعالى ثلاثة أمور مشهودة في هذا العالم، والرابع منتظر موعود به وهو في قوله (ثم يحييكم)، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "فما بال العاقل يشاهد الثلاثة الأطوار الأُول ويكذب بالرابع؟ وهل الرابع إلا طور من أطوار التخليق" يعني التي يشاهدونها ويعاينونها هذا من أكبر البراهين وإقامة الحجة على من ينكر البعث ويكفر بالله سبحانه وتعالى ولهذا صُدرت الآية بهذا الاستفهام (كيف تكفرون) وهواستفهام توبيخ وإنكار، كيف تكفرون والحال أن الحجة ظاهرة بيّنة ساطعة أمامكم؟! فكما تقدم ذكر الله جل وعلا في الآية موتتين وحياتين، فتكون مثل الآية التي في سورة غافر (قالوا أمتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا) موتتين المقصود بالأولى ما قبل الوجود في هذه الحياة الدنيا، والموتة الثانية عند انقضاء الأجل في هذه الحياة الدنيا، والحياتين الحياة التي في الدنيا، والحياة التي بعد الموت بعد البعث.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: "هذا استفهام - أي قوله (كيف تكفرون) - هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم وأنعم عليكم بأصناف النعم"، خلقكم من العدم هذا البرهان الأول، وأنعم عليكم بأصناف النعم لو قيل قبلها فأحياكم وأنعم عليكم بأصناف النعم، هذا البرهان الثاني، "ثم يميتكم عند استكمال آجالكم" ثم يميتكم هذا الثالث، "ويجازيكم في القبور"، الرابع قال "ثم يحييكم بعد البعث والنشور ثم إليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى" أي التام على الأعمال كلها حسنها، وسيئها (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)، (لتجزى كل نفس بما تسعى) قال: "فيجازيكم الجزاء الأوفى فإذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره، وتحت أوامره الدينية - يعني في هذه الحياة الدنيا - وبعد ذلك - يعني بعد البعث تحت دينه الجزائي - ثم إليه ترجعون فيجازيكم ثم بعد ذلك تحت دينه الجزائي أفيليق بكم أن تكفروا به والحجة ظاهرة أمامكم بيّنة، أفيليق بكم أن تكفروا به، وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه كبير، بل الذي يليق بكم أن تتقوه وتشكروه وتؤمنوا به، وتخافوا عذابه، وترجو ثوابه" في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أشرت إلى أن الآية ذكر فيها موتتان وحياتان، وأنها نظير قوله تعالى في سورة غافر (قالوا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) في سورة غافر، قال المعنى: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فهما ميتتان وحياتان، فهو قوله سبحانه وتعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) فجعل الآيتين متماثلتين في تقرير الموتتين والحياتين. نعم.
📖 قال رحمه الله: " (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) أي خلق لكم برا بكم ورحمة جميع ما على الأرض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث فإن تحريمها أيضا يؤخذ من فحوى الآية وبيان المقصود منها وأنه خلقها لنفعنا فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته منعنا من الخبائث تنزيها لنا. وقوله (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) (استوى) ترِد في القرآن على ثلاثة معان:
/ فتارة لا تُعدَ بالحرف فيكون معناها الكمال والتمام، كما في قوله تعالى عن موسى (ولما بلغ أشده واستوى)
/ وتارة تكون بمعنى علا وارتفع، وذلك إذا عُديت بـ على كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى)، وقوله (لتستوا على ظهوره)
/ وتارة تكون بمعنى قصد، كما إذا عُديت بـ إلى كما في هذه الآية، أي لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات، فسواهن سبع سماوات فخلقها وأحكمها وأتقنها، (وهو بكل شيء عليم) فيعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ويعلم ما تسرون وما تعلنون، ويعلم السر وأخفى، وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) لأن خلقه للمخلوقات أدل دليل على علمه وحكمته وقدرته"..
🎙ثم أورد رحمه الله تعالى قول الله عز وجل (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)، (خلق لكم) هذا امتنان من الله عز وجل وبيان لهذه المنة والفضل العظيم الذي تفضل به على العباد (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) مثلها قوله (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) (منه) أي تفضلا ومنا عليكم سخر للعباد ما في الأرض جميعا، أي من صنوف النعم، وألوان المنن، أي خلق لكم بِرا بكم ورحمة جميع ما على الأرض للانتفاع والاستماع والاعتبار، انتبه إلى أمرين أشار إليهما ونبّه أيضا عليهما أئمة أهل العلم في كتب التفسير: خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا آيات فيها عبرة وعظة وإيقاظ للقلوب، وخلق لكم ما في الأرض جميعا لتنتفعوا به وتستفيدوا منه في عموم مصالحكم وحاجاتكم، وتفصيل هذا الإنعام تجده في سورة النحل سورة النِعم، فخلق لكم ما في الأرض جميعا منه آية وعبرة وعظة، خلق لكم ما في الأرض جميعا أيضا لتنتفعوا وتستفيدوا بما جعل لكم في الأرض من أنواع المنافع والمصالح. قال: " جميع ما على الأرض للانتفاع والاستماع والاعتبار".
قال: "يخرج بذلك الخبائث فإن تحريمها أيضا يؤخذ من فحوى الآية، وجاءت النصوص مصرحه بتحريم الخبائث (ليحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) وبيان المقصود منها وأنه خلقها لنفعنا أي الأرض، فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته على العباد أن منعهم من الخبائث تنزيها لهم منها ومن مضرتها، والله سبحانه وتعالى لما ينهى عباده عن شيء إلا لمضرة فيه عليهم في دنياهم وأخراهم.
● قال الله جل وعلا (ثم استوى إلى السماء) أي الله جل وعلا استوى إلى السماء بعد خلق الأرض، وهذا جاء في آيات كثيرة، جاء في آيات كثيرة استواء الله على العرش بعد خلقه للسماوات والأرض مثل:
في سورة الفرقان قال (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استواء على العرش)
مثل في سورة الحديد (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها)
مثل أول سورة طه، أول سورة الرعد، وفي أول سورة يونس، وفي سورة الأعراف
في سبع مواطن، هي سبع مواطن من كتاب الله سبحانه وتعالى والسبعة المواطن كلها عُدي الاستواء بـ على (ثم استوى على العرش)، (الرحمن على العرش استوى) وهنا في هذا الموطن، كذلك في موطن آخر في سورة فصلت (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالت أتينا طائعين) عُدي بـ إلى.
والاستواء هذا اللفظ يدل على العلو الارتفاع، استوى أي علا وارتفع، استوى على العرش: أي علا وارتفع على العرش، العرش المجيد هذا مخلوق لله، وأكبر المخلوقات وأعظمها وهو سقفها وأعلاها، استوى هذا لفظ يدل على العلو والارتفاع، إذا عُدي بـ إلى يبقى على أصل دلالته ما تتغير، يبقى على أصل دلالته التي هي العلو والارتفاع؟ والأصل أنه يُعدَّى بماذا؟ بـ على، فإذا عُدي بـ إلى مع دلالته على العلو والارتفاع ضُمن معنى آخر مع بقاء المعنى الأول الذي هو العلو والارتفاع، وهو القصد قَصَدَ أو عَمِدَ، أو نحو ذلك. ولهذا ابن كثير رحمه الله عند تفسير الآية قال: "أي قصد إلى السماء" والاستواء هاهنا تضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بـ إلى، تضمن معنى القصد والإقبال أي ماذا؟ مع دلالته على العلو, ولهذا حكى الإجماع، يعني بعض أهل العلم ذكر البغوي أنه قول أكثر السلف وأكثر المفسرين أن استوى إلى السماء، واستوى على السماء سواء.، سواء في ماذا؟ أي في علو الله، إثبات العلو لله سبحانه وتعالى. قد جاء في تفسير الآية كما في الصحيح البخاري عن مجاهد وعن أبي العالية (وأن استوى إلى السماء علا وارتفع) وهو القول الموافق لتفسير الاستواء في مواطنه وموارده من القرآن وعرفنا أنه في سبعة مواطن يقول الله سبحانه وتعالى (ثم استوى على العرش) أي علا وارتفع عليه سبحانه وتعالى علوا يليق بجلاله وكماله. قال الشيخ رحمه الله: "استوى ترد في القرآن على ثلاثة معان:
● وتارة تكون بمعنى علا وارتفع وذلك إذا عديت بـ على كقوله (الرحمن على العرش استوى) وأيضا في ستة مواضع أخرى (ثم استوى على العرش)، وقوله (لتستووا على ظهوره) أي الفلك والأنعام، تستووا على ظهوره أي تعلوا وترتفعوا على ظهوره.
● وتارة تكون بمعنى قصد كما إذا عديت بـ إلى، كما في هذه الآية (ثم استوى إلى السماء) أي لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات أو عمد إلى خلق السماوات، هذا المعنى هو مع إثبات العلو الذي يدل عليه لفظ الاستواء، ولهذا تجد الشيخ فيما يأتي من الآيات في قوله (ثم استوى على العرش)، وهنا أيضا في السياق الذي ذكره (استوى على العرش) أي علا وارتفع عليه، لكن لما عدي الاستواء بـ إلى تضمن معنى زائدا على العلو والارتفاع، وهو القصد، لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات فسواهن سبع سماوات فخلقها وأحكمها وأتقنها.
"استوى على العرش بذاته وهو مع خلقه بعلمه" هذه كلمة الإمام مالك رحمه الله، فهو مستوي على عرشه بذاته علوا يليق بجلاله وكماله، لكنه مُطّلع على خلقه لا تخفى عليه خافية، قال: "فيعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ويعلم ما تسرون وما تعلنون، يعلم السر وأخفى، يعلم السر وأخفى، وكثيرا ما يقرن بين خلقه وإثبات علمه كما في هذه الآية، وكما في قوله: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وكما في قوله في آخر آية من سورة الطلاق (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)" فكثيرا ما يقرن بين الخلق والعلم، وأيضا الاستواء والعلم. تتبع الآيات في في القرآن (ثم استوى على العرش) (الرحمن على العرش استوى) تتبع الآيات غالبها أو جلها قرن فيها بين الاستواء والعلم مثل ما سمعنا في:
● سورة الحديد قال (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) (وهو معكم) أي بعلمه، (والله ما تعملون بصير).
● أيضا في أول الرعد (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش)
فجميع الآيات أو جلها يذكر الاستواء ويذكر أيضا العلو..
● في سورة الرعد بعدها قال (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيظ الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار* عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)
● أيضا في سورة طه لما ذكر الاستواء (الرحمن على العرش استوى) ذكر أيضا العلم، علمه سبحانه وتعالى، وهكذا في عموم الآيات التي ذكر فيها الاستواء، أو جل الآيات التي ذكر فيها الاستواء قُرن معه العلم. نعم
📖 قال رحمه الله: "قوله (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون* وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباءهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون* وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين"
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شاننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما..
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
الاثنين، 16 يونيو 2025
فوائد منتقاة من سورة هود - بين يدي السورة-
الأربعاء، 4 يونيو 2025
الدرس التاسع والثلاثون | تفسير سورة البقرة: الآية (٢٧) (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه..)
تفسير سورة البقرة: الآية (٢٧) (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه..)
الحمدالله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم وصف الفاسقين فقال (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) العهد الذي بينهم وبين ربهم، والذي بينهم وبين الخلق الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق، بل ينقضونها، ويتركون أوامره، ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق، (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله تعالى أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به، والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به، ومحبته وتعزيره، والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بحقوقهم التي أمر الله تعالى أن نصلها، فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله تعالى به أن يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم معتاضين عنها بالفسق والقطيعة، والعمل بالمعاصي وهو الإفساد في الأرض، أولئك أي من هذه صفته هم الخاسرون أي في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له، وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية، وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى (إن الإنسان لفي خسر) فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وحقيقته فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله، وهو تحت إمكانه"
🎙️بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم يا ربنا علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا، إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين فقهنا أجمعين في الدين وعلمنا يا ربنا التأويل أما بعد: أورد المصنف رحمه الله تعالى قول الله جل وعلا (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) هذه ذكرها الله جل وعلا صفاتا للفاسقين الذين ختم بذكرهم بهذا الوصف في الآية التي قبلها قال (وما يُضل به إلا الفاسقين) الذين صفاتهم كذا وكذا، فهذه الصفات للفاسقين، وعرفنا أن الفسق الذي وُصف به هؤلاء هو الفسق الأكبر الناقل من الملة. ومثله أيضا ما ختمت به هذه الآية وصفهم بالخسار وهو أيضا الخسار الأكبر الناقل من الملة. وقد مر معنا قاعدة نفيسة في هذا الباب في أثر يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال رضي الله عنه: "كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل: خاسر، فإنما يعني به الكفر" هذا مثال من اسم مثل خاسر، مثل أيضا فاسق، مثل ظالم ونحو ذلك من الألفاظ فإنما يعني به الكفر،
قال: (الذين ينقضون عهد الله) النقض هو: الترك، ترك العهد الذي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى وهو طاعة الله فيما خلقهم لأجله وأوجدهم لتحقيقه وأقام عليهم الحجة فيه فنقضوا عهد الله بأن تركوا التزام هذا العهد الذي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، المقصود بالعهد: ما أمر الله جل وعلا به خلقه من لزوم طاعته سبحانه وتعالى وملازمة عبادته، وأيضا: مجانبة ضد ذلك من المعاصي والذنوب، وأعظم ما أمر الله به من الطاعة التوحيد، فالتوحيد هو أعظم طاعة بل هو أساسها، وأعظم نهى الله تبارك وتعالى عنه الشرك بالله سبحانه وتعالى، فهو أعظم الذنوب وأكبر الموبقات.
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه)
من أهل العلم من جعلها في الرحِم أي يقطعون الأرحام مثل ما قال الله جل وعلا (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)، فمن أهل العلم من قال: (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل) أي يقطعون الرحم ال التي أمر الله بوصلها، وعدها سبحانه وتعالى أن يصِل من وصلها وأن يقطع من قطعها ورضيت بذلك، قال الله للرحم: (أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى رضيت)، فمن أهل العلم من قال (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل) أي يقطعون الرحم الذي أمر الله.
●ومن أهل العلم -وهو الأظهر والأقرب والله تعالى أعلم- من يرون أنه عام في كل ما أمر الله سبحانه وتعالى بصلته، وأعظم ذلك الصلة بين العبد وبين ربه، والصلاة المكتوبة سميت صلاة لذلك، لأنها صلة بين العبد وبين الله، فمن ترك الصلاة ماذا فعل؟ قطع ما أمر الله به أن يوصل، لأن هذه صلة بين العبد وبين الله وهي أعظم من صلة الإنسان لرحمه، هذه صلة بين العبد وبين ربه فهي عامة. ولهذا قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره: "قال جمهور العلماء على أن الإشارة في هذه الآية إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه، وحفظ حدوده" وهذا هو الحق والرحم جزء من هذا، يعني داخله في عموم المعنى ليس المعنى مقتصرا عليها فهي داخلة في عموم المعنى.
قال: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض)
(ويفسدون في الأرض) جاء عن مقاتل وغيره من أئمة التفسير في معنى قوله: (يفسدون في الأرض) قال: "يعملون فيها بالمعاصي" فالعمل بالمعاصي فوق الأرض التي خُلقت للطاعة، الأرض خلقها الله ليُطاع عليها، ما خلقها ليُعصى عليها، فمن يمشي فوق الأرض بالمعصية، يعمل المعصية فهذا نوع من الفساد في الأرض، والفساد في الأرض لفظ مثل الألفاظ التي تقدم كلام ابن عباس عنها، نعم قد يطلق الفساد ويُراد به الأكبر فساد الكفار، فساد المشركين بالشرك والكفر والصد عن دين الله سبحانه وتعالى، هذا أعظم الفساد في الأرض، وهو فساد أكبر ناقل من الملة، وهناك فساد دون الفساد الأكبر كما أن هناك كفر دون الكفر الأكبر، وفسق دون الفسق الأكبر، وخسران دون الخسران الأكبر، وظلم دون الظلم الأكبر، فالفساد في الأرض يكون:
● بالشرك والكفر وهذا أعظم الفساد
● ويكون بالمعاصي والذنوب والموبقات وهذا أيضا من الفساد في الأرض.
والفساد في الأرض بالمعاصي يحدث تغيرا في الأرض في الزروع، وفي الأمطار، وفي الخيرات كما قال الله سبحانه وتعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر) البر والبحر ما هو؟ الأرض، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) أي بسبب معاصيهم وذنوبهم التي ارتكبوها فوق الأرض، ارتكبوها في البر والبحر.
(ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) ما الخسران هنا؟ الأكبر لأن السياق فيه، فالخسران هنا هو الخسران الأكبر، إذا نُسب الخسران -على القاعدة التي سمعنا عن ابن عباس رضي الله عنهم وهي قاعدة عظيمة متينة مهمة- الخسران إذا نُسب إلى غير أهل الإسلام فالمراد به الأكبر الكفر، ومثله الفسق، ومثله الظلم ونحو ذلك من الألفاظ، فالخاسرون هنا، أي خسارة الدنيا والآخرة، نظير هذه الآية تماما قول الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فهذا في الخسران الأكبر، والفسق الأكبر الناقل من الملة، سعد بن أبي وقاص الصحابي الجليل رضي الله عنه قرأ هذه الآية وقال: "هم الحرورية" (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) قال: "هم الحرورية" من هم الحرورية؟ الخوارج، قال: "هم الحرورية"
وقوله: "هم الحرورية" لا يعني أن الآية ابتداء نزلت فيهم، وإنما المقصود: أن الصفات التي في هذه الآية وجدت فيهم، لأنهم داخلون في الأوصاف المذكورة في هذه الآية وتنطبق عليهم هذه الأوصاف، ولهذا قال رضي الله عنه: "هم الحرورية"، وكان رضي الله عنه يسميهم الفاسقين لأن قبلها قال الله جل وعلا: (وما يضل به إلا الفاسقين) فكان يسميهم الفاسقين ويقول هم الحرورية.
أنتم لما تسمعون كلامي ثم تقرأون كلام الشيخ تفرقون بين العلم المؤصل والعلم الذي هو كما يقال تمشية حال، فالذي أقوله هذا الشيء يعني تمشية حال، لكن هذا علم مؤصل، كلام الشيخ رحمه الله، ولهذا ركزوا على كلام الشيخ أكثر من التركيز على ما أقول، نسأل الله العافية والمعونة على كل خير.
■ قال: "(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) قال: "هذا يعُم العهد الذي بينهم وبين ربهم" أي فيما أمر به من توحيده، إخلاص الدين له، والبراءة من الشرك، والذي بينهم وبين الخلق الحقوق في مقدمتها حقوق ماذا؟ الوالدين، ثم الأرحام والجيران، وإلى غير ذلك من الحقوق التي جاءت بها الشريعة، "والذي بينهم وبين الخلق الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون أوامر الله، ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق". هذه الجملة الأولى.
● الثانية قال: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) قال: "وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به، والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به، ومحبته، وتعزيره، والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب، وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها" فذكر أنها عامة (يصلون ما أمر الله به أن يوصل) ذكر أنها عامة، عامة في حقوق الله، وعامة أيضا حقوق الرسول عليه الصلاة والسلام، وأيضا حقوق الخلق، فأما المؤمنون فوصلوها ، فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق مثل ما قال الله جل وعلا في سورة الرعد (أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربه الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فهذه صفات أهل الإيمان قاموا بحقوق الله، ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل، وسعوا في الأرض بالإصلاح، أصلحوا أنفسهم في سيرهم على أرض الله، وعملوا على إصلاح عباد الله سبحانه وتعالى، فسلموا من الخسران الذي وقع فيه هؤلاء وباء به هؤلاء، قال: "فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم، معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي".
● هنا تأتي الجملة الثالثة من الآية وهي: (ويفسدون في الأرض) قال: "والعمل بالمعاصي" وهو ما ذكره الله في هذه الآية في قوله: (ويفسدون في الأرض) والعمل بالمعاصي وهو الإفساد في الأرض، تقدم النقل عن مقاتل وغيره من أئمة التفسير في معنى قوله (يفسدون في الأرض) قال يعملون فيها بالمعاصي.
قال جل وعلا: (أولئك) أي من هذه صفته، وهذه صفاتهم (أولئك هم الخاسرون) وفي سورة الرعد قال (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (أولئك) أي أهل هذه الصفات. الفاء المدخلة في القوس في بعض النسخ تُزال.
(أولئك هم الخاسرون) أي من هذه صفته هم الخاسرون، الخسران ما نوعه؟ الخسران الأكبر، لأنه كما مر معنا في القاعدة إذا نسب الخسران أو الظلم أو الفسق أو نحو ذلك من الألفاظ إلى غير أهل الإسلام فالمراد بها الأكبر الناقل من الملة، قال: "هم الخاسرون في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان"
قد يقول قائل: بعضهم عنده أعمال خيرية، ينفق في أعمال الخير، يبني مثلا دورا للأيتام، أو يكفل أيتاما، أو يعطي فقراء ومحتاجين، أو يعالج مرضى، يقوم بأعمال بعض كبيرة جدا والشيخ يقول ليس لهم أي نوع من الربح مع إنه عدد منهم عنده من هذه الأعمال، الشيخ يقول: "ليس لهم نوع من الربح" قال مبينا ذلك "لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له" مثل ما قال الله: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) الخسار ما نوعه؟ الأكبر..
أيضا قول الله عز وجل (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) النفقة عمل صالح (وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) هذا هو المانع (إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله)..
(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين* بل الله فاعبد وكن من الشاكرين)
فالكافر لا ينفعه إن وجد منه أعمال صالحة، لا تنفعه، جاء في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن واحد من أعيان المشركين كان معروف بالبذل والنفقة والصدقة، وفك العاني، ومساعدة المحتاج، وأعمال عديدة كانت له، قالت عائشة رضي الله عنها -كما في صحيح مسلم- (أرأيت عبد الله بن جدعان يفعل كذا، ويفعل كذا، يفعل كذا) تعدد أعمال كبيرة كان يقوم بها، (قالت: أينفعه ذلك؟ -يعني عند الله- أينفعه ذلك؟ قال: لا، لأنه ما قال يوما قط رب اغفر لي خطيئة يوم الدين) يعني الأعمال التي قام بها لم يقم بها ليوم الدين، وإنما قام بها للدنيا فما يجد ربحا، ما يجد ثوابا على تلك الأعمال، هذا معنى قوله: "لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له" وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا، وقد يكون معصية، وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى (إن الإنسان لفي خسر) فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بأربع صفات بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، حقيقته -يعني هذا الخسران- فوات الخير، حقيقته أي الخسران أو الخسر الذي ذكر في الآية فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله، وهو تحت إمكانه.
📖 قال رحمه الله: "ثم قال تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم، وأنعم عليكم بأصناف النعم، ثم يميتكم عند استكمال آجالكم ويجازيكم في القبور، ثم يحييكم بعد البعث والنشور، ثم إليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره وتحت أوامره الدينية، ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي أفيليق بكم أن تكفروا به؟! وهل هذا إلا جهل عظيم، وسفه كبير، بل الذي يليق بكم أن تتقوه وتشكروه، وتؤمنوا به وتخافوا عذابه، وترجوا ثوابه"
نعم، نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما…. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. جزاكم الله خيرا
الجمعة، 30 مايو 2025
وقفات مع سورة الحج -اللقاء الأول-
سورة الحج من أعاجيب السور