الخميس، 11 يوليو 2013

تفسير سورة طه (55-71) / محاسن التأويل



الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ ، خلق فسوى وقدّر فهدى وأخرج المرعى فجعلهُ غُثاءً أحوى وأشهدُ أن سيدنا ونبينا مُحمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره وأتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين ........
 أما بعد فهذا استئنافٌ للقاءٍ الماضي حول قول الله -جل وعلا- (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) والمخاطبُ فيها فرعون بالاتفاق وقد مضى معنا ما أظهرهُ موسى لفرعون من الآيات . وينبغي أن تعلم قبل أن نقُصّ عليك ما في هذهِ الآيات من عبرٍ وعظات ودلائل وآيات أن هذهِ الأمور لم تتمّ في بُرهة ، وأنهُ ليس بمُجرّد أن دخل موسى على فرعون تمّت القضيةُ كُلها ولكنّها مرّت عبر سنين فموسى عليه الصلاة والسلام استوطن أرض مِصر فترةً طويلة قبل أن يخرُج منها . وما ذكرهُ الله -جل وعلا- من خبرِ قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ) إنما هذا كان قبل خروجِ موسى من أرض فرعون أُهلك قارون . وجرت لهُ صراعات منها أن الله -جل وعلا- أمرهم أن يتخذُوا بيوتهُم قبلة وأن الله -جل وعلا- أمرهُم بأمورٍ كُثر ومرّت الآيات كالطوفان والجراد والقُمّل والضفادع هذا كُلهُ حصل على مراحل زمنية طويلة ، وأن الله -جل وعلا- أرحم من أن يُعذّب من غير أن يُعطي مساحة زمنية لمن أراد أن يُعذّبهُم وإنما لا يهلكُ على الله إلا هالك والشقيُ من لم تتداركهُ رحمةُ الرب تبارك وتعالى . وفرعون إنّما أهلكهُ شقاؤه وعنادهُ ومُكابرتهُ سنين طويلة .. هنا يقولُ الله -جل وعلا- (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) نحوياً "آياتنا" جاءت بالكسر لأنها جمعُ مؤنثٍ سالم وإذا نُصب يُنصب بالكسرة نيابةً عن الفتحة ، أُكّد بتوكيد معنوي هو كلمة "كُل" ولهذا كلمة "كُل" جاءت منصوبة لأنها أكّدت المحل لا اللفظ (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا) والمقصود بكلمة "كُل" هُنا كُلُ الآيات التي كتب اللهُ أن يُعطيها موسى حُجةً على فرعون ، وكلمة "كُل" لا تُفيدُ عددا لكنّ العدد جاء مُبيناً في سورةٍ أُخرى قال الله (فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وهذه التسع مرّت معنا كثيرا ولا بأس من ذكرها : اليد والعصا من قبل هذهِ اثنتان .
 وقال الله (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ) هذهِ اثنتان مع الأولين أصبحت أربعا .
وقال -جل وعلا- (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ) هذهِ خمس (آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ) مع الأربع الأُول أضحت تسع هي المقصودة بقول الله -جل وعلا- (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا) . ومع تلك الآيات المُتتابعة المُفصّلة قال الله (فَكَذَّبَ وَأَبَى).
وقد قُلنا في الدرس الماضي إن قول الله -جل وعلا- (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى) قُلنا إن أعظم فائدة أنهُ لا يُخلّد في النار إلا من كذّب وتولى . فقولُ الله هنا (فَكَذَّبَ وَأَبَى) هي عينُ قول الله (كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وهي عينُ قول اللهِ (لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فالتولي والإِباء والإعراض بمعنى واحد . وهذهِ كُل من يريد أن يتخذ منهجا في معرفة عقائد الناس يجب عليه أن يستصحب هذا الأصل قبل أن يُجازف في تكفير الناس .
 نقول : الله يقول (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) (قَالَ أَجِئْتَنَا) هذا فرعون يقول لموسى 
(أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى) فجعل تلك الآيات اسماها سحرا وخصّ منها بالذات اليد والعصا ، والعصا على وجه الخصوص لأنها انقلبت على هيئة حيةٍ وثُعبان. (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى) وهذا القولُ أراد به فرعون إثارة العامة والغوغاء أن المقصود الأسمى من رسالةِ موسى وهارون -في زعمه- ليس توحيد الله وإنّما إخراج أهل مصر من مصر، وقد كانت القوة السياسية العامة في أرض مصر يجعلها فرعون مُقسمة ثلاثة أقسام جعلها فرعون مُقسّمة ثلاث أقسام :
- القوة الإدارية السياسية جعلها فرعون بيد هامان (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا) وكان وزيراً لفرعون.
- والقوة المالية الاقتصادية كانت بيد قارون .
- والقوة الإعلامية كانت بيد السحرة .
 فقال فرعونُ هنا (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى*فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ) حتى يُؤكد أن ما جاء بهِ موسى سحر . والسحرُ لهُ حقيقة بلا شك وإن كان يخفى على أكثر الخلق لكنّ لهُ حقيقة كما هو مذهبُ أهلُ السُنة والله -جل وعلا- ذكرهُ في مواطن مُتعددة في كتابهِ ونصّ على أن تعلّمهُ كُفر قال الله -جل وعلا- (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) وليس هذا مقامُ البسط فيهِ لأننا نبقى أوفياء للآيات لا نخرُجُ عنها بأكثر مما هو لازم .
 نقول (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ) هل هو موعد زماني أو موعد مكاني ؟ ظاهرُ كلامِ فرعون أنهُ موعد مكاني لكنّ جواب موسى جعلهُ زمانياً (مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى) وكأنه يضمن أن ينتصر . قال بعضُ العُلماء في تفسير (مَكَانًا سُوًى) أي مكان وسط ليس ببعيد عنا ولا ببعيد عنك، وأظنّهُ بعيد وإنّما المعنى (مكان سُوى) أي مكان ظاهر لا خُفية فيه فحّورها موسى زمانياً (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) فأثبت موسى من قبل أن يبدأ العراك معه ثقته بنصر الله فقال (وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) وأعظمُ ما يُمكن أن يُستنّبط في هذا المقام : أن دعوة الأنبياء دعوة واضحة لا تُحاك في الخفايا ، فليست الدعوة أحزابا سياسية ولا جماعات غير مرضية ولا غير ذالك ، وليس في دين اللهِ رؤوس وغيرُ ذالك وأُمور وبرتوكولات خفية وبرتوكولات يعلمُها العامة وغير ذالك إنما دينُ الله جلي واضح تعبّد الله بهِ الجميع ولهذا لم يكُن عند موسى عليه السلام شيءٌ يُخفيه في الدعوة إلى ربه (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) ويوم الزينة هو: اليوم الذي يجدُ الناس فيه في ذالك الوقت في ذالك الزمان أهلُ ذالك العصر كان يوم عيدٍ لهم ، لا عمل شاق لهُم فيه فهم في خلوة من أعمالهم أو في فُسحةٍ من أعمالهم بتعبير أوضح فلمّا يكون الناس في فُسحة من أعمارهم يكونون أقدر على أن يصلوا إلى المطلوب ويأتوا إلى هذا الأمر الذي سيشهدون فيهِ الصراع . وبعضُ أهل العلم يقولون : إن الأعياد المنصوص عليها شرعاً كذكر يوم الزينة كان لفرعون وآله ، والعيدُ الذي ذكره الله -جل وعلا- عن قوم إبراهيم لمّا رفض إبراهيم أن يذهب معهم ، والعيد الفطر والأضحى التي جاءت في السنة التي جاءت بدلاً من يوم بُعاث الذي كان عيداً للأنصار أوسا وخزرجاً في الجاهلية . والمقصود (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) وكُلمّا كثُر حشرُ الناس والاتيان في رابعة النهار ضُحى والكُلُ سيُشاهدُ ويرى كان ذلك أدمغ لحُجة فرعون وأظهر وأبين لحجة موسى وأنكى لأعداء الله وخُصومه .
(قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) قال الله (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) ولا ريب أن ما بين هذا اليوم الذي تواعدا فيهِ وما بين اليوم الموعد نفسه هُناك فترة زمنية وهذه الفترة الزمنية تسمح للناس بأن يخوضوا  وللخبر أن ينتشر ويُصبح لا همّ للناس وليس هُناك خبرٌ يُسلي مثل هذا الخبر ، فيُصبح الجميع مُهيأ لأن يصل ويريد أن يعرف أين الحق لكنّ الناس حتى في معرفتهم للحق يتفاوتون.
 قال الله جل وعلا (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى*فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) كيف جمع كيدهِ؟ بيّنهُ الله في آية أُخرى (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) وبعث بعد ذالك يأتي بالسحرة من كُل مكان ، هذه الفترة الزمنية علا فيها قدرُ السحرة لأنهم غلب على ظنّهم أن أمر فرعون أصبح بيدهم، فالآن القوة السياسية التي كانت بيد هامان تنحّت قليلا ، والقوة المالية التي بيد قارون تنحّت قليلا وجاء دورُ من ؟ دورُ قوة الإعلام الذي كان متمثلا في السحرة فأراد السحرة لأنفسهم منازل فأرادوا أن يشترطوا على فرعون شروطا تجعلهم أرفع منزلة بعد الغلبة . قال الله في آيةٍ أُخرى (أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ*قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فأعطاهُم فرعون وعوده فأغراهم بالمال وعلّو المنازل فجاء السحرة وهم مدفوعون دفعاً دنيويا عظيما وجاء الناس لكنّ الناس كان الذي دفعهم إلى أن يروا انتصار السحرة قال الله عن الناس ( لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) ولم يأتوا ليعرفوا أين موطن الحق وأين مكمنه وإنّما جاؤا لينظروا كيف تغلبُ السحرةُ موسى -عليه السلام- وأخاه .
 قال -جل وعلا- (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) ومع ذلك أنبياء الله يبقون رفيقين بالخلق قال الله -جل وعلا- (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أي بصنيعكُم وبردكُم للرسالة (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ)  فخوفا من نزول العذاب عليهم حذّرهم لأنه لا مصلحة للنبي في هلاك قومه والأنبياء أرحم الخلق بالخلق ، وأنصح العباد للعباد ، لكن إذا أبى واستكبر ذلك المدعو وأعرض عن الله وجعل كلام الله وراءه ظهريا وحقّت عليه كلمة العذاب فإن كلمة العذاب لا تحق إلا على هالك ، فإذا هلك من هلك بعذاب الله لا ينبغي لمؤمنٍ أن يأسف عليه ولا يحزن لأنك لست أرحم بالخلق من ربهم ، قال الله عن أنبيائه أنهم يقولون عن أُممهم بعد الهلاك (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) فلا يصيبهُم أسى على قومهم بعد هلاكهم ولكن الرحمة تبقى ما زال هُناك أمل في أن يهتدوا ، (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) ولا افتراء أعظم من الافتراء على الله -جل وعلا- وأعظمه قول فرعون (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) وتصديق هؤلاء الناس لفرعون واتخاذهم إياه إلهاً من دون الله .
 (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) قال الله (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي عقدوا مجلسا خاصا بهم يتشاورون في أمر موسى وأخيه في هذهِ الداهمة التي طغت عليهم (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) لا يُؤثرُ في الناس شيء أكثر من خوفهم على مراكزهم أن تتبدّل وهذا معنى (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) وانتهز فرعون هذهِ المسألة فأخبرهم أن ما جاء موسى وهارون إلا ليغيروا الوضع الاجتماعي القائم ، وهذا حصل حتى في عهد النبوة فإنّ أبا جهل وأبا سفيان كانوا يقولون للناس إن محمدا يريد من الفئة المستعبدة كبلال وعمّار أن تسود وأن ترقى وأن يتغير الوضع الاجتماعي حتى يصدوا الناس عن دين الله ، ولا أحد مُنتفع من وضع يريد لذلك الوضع أن يتغير إلا أن يكون رجلا ربانيا لله وإلا الأصل كل صاحب وضع اجتماعي لا يريد ذلك الوضع الاجتماعي أن يتغير ،، وكُل مُضطهد في وضع اجتماعي يتمنى من ذلك الوضع أن يتغير حتى يعلو مكانه . ولذلك الخارجون على أي دولة ، الخارجون من حيث الأنظمة السياسية المحضة في أي عصرٍ ومكان إنمّا يأتون للمغلوبين على أمرهم حتى يُغيروا مكانتهم والدولة الأموية كمثال -يعني-، الدولة الأموية في عصرها أُضطهد آل البيت وأُضطهد الموالي ، الموالي : الذين دخلوا في دين اللهِ من غير العرب فلمّا قامت دولة بني العباس قامت على هذا الخطأ الذي وقع فيهِ بنو أُمية فأكثر نُصراء العباسيين كانوا من الموالي فقامت دولةُ بني العباس على أكتاف الموالي وصاحبُ الفضل الكبير في قيام دولة بني العباس أبو مُسلم الخرساني ولم يكُن عربيا وإنّما كان ممنّ استضعفهُم بنو أُمية واستعبدوهُم ولم يكن لغير العرب سلطان ولا شوكة في عهد دولتهم حتى مسلَمة ابن عبد الملك -هذا أحدُ أبناء عبد الملك- كان قُرّة عين أبناء عبد الملك لكنهُ لم يُعطى الخلافة لماذا ؟ لأن أُمة لم تكّن عربية ، فكان الموالي مُضطهدين في عهد بني أُمية كان ذلك سبباً يُريدون للمُجتمع أن يتغير فتغير وجاء بنو العباس فلما جاء بنو العباس الآن بيدهم من ؟ آلُ البيت والموالي ولابُد أن يختاروا أحدهُما ففرّطوا في العلويين وأبقوا بني العباس وبقي العلويون مُضطهدون حتى في دولة بني العباس وبقينا في الطرف الآخر من؟ الموالي والموالي كُثر فالأعراق التي جاء منها الموالي لا تتعدد ولابُد من اختيار فئة واحدة فاختار العباسيون في أول دولتهم الفُرس فقُدّم الفُرس ورُفع شأنهُم حتى وصل البرامكة إلى ما وصلوا إليهِ ثُمّ لمّا جاء المُعتصم كانت أُمهُ تُركية قلب الموازيين أبقى على الموالي لكن أيُ موالي؟ الأتراك لأنهُم أخوالهُ وأضاع الفُرس، فساد الأتراك، ثُمّ كلما جاء خليفة قرّب مواليهِ . ولئن أخطأ الأمويون في إبعادهم للموالي واضطهادهم فإنّ خطأ بني العباس أكبر في أنّهُم اصطفوا الموالي حتى أصبح هؤلاء يُغيرون من شاء ويضعون من شاء من الخُلفاء .  
والمقصودُ : عموماً خرجنا كثيراً لكن القرآن يُقرأ ليُفهم أوضاعُ الناس من خلالهِ . فكان فرعون يتخذ هذهِ المسألة أمام الناس (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) قبل أن أُكمل أقف نحوياً عند هذهِ الآية التي أشكلت على العُلماء وضربوا فيها مضارب شتى لن أقول فيها شيئا جديداً لكن الاتفاق على أن "إنّ" تنصب وأن اسم الإشارة الأصل أنهُ مبني وأنهُ إذا ثُني يأتي منصوباً بالياء يخرج من كونهِ مبني إلى كونهِ مُعرب فأشكل على العُلماء أن "هذان" جاءت بالألف : فبعض العُلماء قال : أن "إنّ" هُنا مُخفّفة لا تعمل ، ما دامت لا تعمل فأصبحت "هذان" مُبتدأ و"لساحران" خبر وينتهي الموضوع .
 قال آخرون : لا إن "إنَّ" هنا -وهذا قول لبعضُ الكوفيين- إنها نافية واللام التي في "لساحران" ليست اللام المُزحلقة وإنّما أداة استثناء . والمعنى عندهم : ما هذانِ إلا ساحران [ واضح] . وقال آخرون غيرُ ذلك وتكلّم فيها شيخ الإسلام ابنُ تيمية -رحمة الله تعالى عليه- رغم أن الأصل أنهُ غير نحوي لكن لهُ فيها كلامٌ نحويٌ جيد .
 ومال المُبرد -رحمهُ الله تعالى- إلى أن "إنّ" هنا إِنْ (هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بمعنى "نعم" إن بمعنى نعم وهذا الحقُ أن اللغة تؤيدهُ وبتعبير أصح الاستعمال العربي يُؤيدُهُ قال عبدُ الله ابن قيس الرُقيات ، هذا الرُقيات ليس نسبُهُ لكنّه تغزّل بأكثر من امرأة اسمُها رُقية فعُرف بـ عبد الله ابنُ قيس الرُقيات ، يعني نساء كثيرات اسمهُنّ رُقية كُلُ واحده منها اسمهنّ رقية ، المُهم هذا الرجُل ممّن يُستشهد بشعرهِ من حيثُ اللُغة قال في بيت شعرٍ لهُ :
 بَكَرَ العواذلُ في الصبوح يلمّنني وألُومهنّ ** ويقُلنّ شيبٌ قد علاك فقلتُ إنّ
 "إنّ" هنا بمعنى "نعم" ، فقال المُبرّد وهو الأصلُ أنهُ ليس المُبرّد لبعض تلاميذهِ لكن لما أجازهُ المُبرّد نُسب إليهِ ولا يعنينا من هو القائل المُهم أنهم قالوا إنّ "إنّ" هنا بمعنى "نعم" فيُصبح لا خلاف في الآية نحوياً نعم هذان لساحران .
 لكن رُدّ عليهِ أن "نعم" حرفُ جواب وليس هناك سائلٌ هنا ، من ردّ على هذا القول قالوا أن نعم حرف جواب وليس هناك سؤال. وردّ الآخرون بأكثرِ من ذلك لكن أردتُ أن أُدخلك في التصوّر النحوي العام لقضية إعراب هذهِ اللفظة .
 (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى*فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) حتى يكون ذالك أقوى على قهرِ عدوّكُم (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىوبالطبع ثمّة مطامع بين أعيُنهُم مطامع تنقسم إلى قسمين :
- الابقاء على الوضع الاجتماعي القائم 
- والطمع في الزيادة فيهِ لأن فرعون قال (وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فأعطاهُم وعوداً ، وإن كُنا نجزم أنهُ لو تحقق لهُم ما أرادوا -ولم يتحقق ولن يتحقق- لكن فرعون لن يقبل لكن على العموم هذا وعدٌ لهُم .
 قال الله جل وعلا- (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى*قَالُوا يَا مُوسَى) من القائل ؟ السحرة ، اجتمع الناسُ، الآن جاء يومُ الزينة وحضر الناسُ من كُل مكان ، لا بُغية للناس إلا أن يروا الانتصار وفرعون على الأظهر في مكانهِ مُبجلا وموسى وأخوه معهما رب العالمين وقد قال لهُما -جل وعلا- من قبل (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وموسى هو موسى الذي رُبّي من قبل ، أين رُبّي ؟ رُبّي في جبل الطور . بماذا رُبّي؟ (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ) الآن هو نفسه واقف وفي يمينه العصا التي أخبره الله -جل وعلا- أنها آية ، والله -جل وعلا- أخبرهُ ولا راد لحُكمهِ ولا مُعقّب على مشيئته ، فوقف موسى كما وقف قبل بين يدي ربه والعصا في يمينه وأقبل هؤلاء قد أجمعوا أمرهم صفا وقد أفلح اليوم من استعلى.
 هنا أُنيخ المطايا... لا أحد أكرم من الله تعلّم مما يأتي كيف تتعاملُ مع الله :
 الله -جل وعلا- أرحمُ الراحمين ومعنى أرحمُ الراحمين هنا لا يمكن أن يضيع عند الله من المعروف ولو مثقال ذرة ، وإذا أراد الله -جل وعلا- شيئا هيأ أسبابه وهذا والله ليس من فرائد العلم باعتبار أنه غريب ، ستجدُه لكنّه من فرائد العلم إذا طبّقتهُ.
الحسنة التي دخلت هنا أن هؤلاء السحرة رغم المُغريات التي بين أيديهم أستحيُوا من موسى (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) هذهِ العبارة في التلطُف مع موسى وعدم جبرهِ على الإلقاء أولا ، أو عدم جبرهِ على الإلقاء أخرا جعلها الله -جل وعلا- سبباً لهداية القوم بهذه النية الطيبة التي خرجت على شكل ألفاظ  قد لا يشعر بها أحد لكنّها أرادها الله تمهيداً لعطاء ربانيّ لهُم بعد ذالك كما سيأتي .
 (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وفي آية أُخرى (وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ، (قَالَ بَلْ أَلْقُوا) لماذا بل ألقوا ؟ أنت تذهبُ إلى المتجر لن تستطيع أن تحكُم على أحسن وأجود ما تريد شراءه إلا إذا مررت على السوقِ كُله فإذا مررت على السوق كُله واخترت العينة التي تُريدها وجاء أخوك يلومك تقول ثق أن هذا أفضل ما هو معروض . وإذا أراد الله بعبد خيرا أخّر ظهوره بين أقرانهِ حتى ييأس الناس من كُل أحد ويُخرجُ أقرانه كُلهم ما لديهم فإذا أراد الله بعبد من دونهم فضلا زائداً عليهم نثر كل منهُم ما في كنانته وأظهر ما عنده ولم يبقَ شيئا لم يُقدّمه ثُمّ أخرج الله -جل وعلا- وليّه الذي يُريد أن يُقدمه على غيره فهذا حصل عينا في قضية موسى قال لهم موسى بل ألقوا فما من حبلٍ ولا عصا إلا وألقوها وليس الأمرُ بالهين . قال الله (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ)  إلى موسى (أَنَّهَا تَسْعَى) وقولُ الله -جل وعلا- (يُخَيَّلُ) يدلُ صراحةً على أنها لم تكُن تسعى وهذا سحرُ تخييل وهو أحدُ أنوع السحر المذكورة في القرآن .
وقد ذكر الله في القرآن سحر التخييل ، وصورته : أنك ترى الشيء على غير حقيقتهِ بما يُريدهُ الساحر أن تراه وإلا الأصل أن حقيقته غير موجودة ، يعني حقيقة الأمر الذي تراه أنت غير موجود فهي حبال وعصي لكنّ موسى يُخيل إليه أنها تسعى . وبالقطع يا بُني ما دامت تُخيل إلى موسى وأخيهِ فكيف بالعامة والدهماء الذين يحيطون بحلبة الصراع سيرون أمورا عجيبة. وقد ذهب بعضُ المشايخ من الجامعة الإسلامية إلى أحد البُلدان الأفريقية فوجدوا رجلاً معه جمل والناس يلتفون حوله ثُمّ أنهم الرجل هذا يدخلُ -أكرمكُم الله- من دُبر الجمل ويخرج من فمه والناس ينظرون مفتونون فأحد هؤلاء المشايخ مع زُملائه رجع قليلا ، بعُد عن نفس الموقف ثُمّ قرأ آية الكُرسي وهو يُتمِّمُها وقف لينظُر فوجد الرجل يدخل بسُرعة من تحت أرجُل الجمل هو قبل قليل راءه كأنهُ يدخل من الدُبر ويخرج من الفم فقال لمن معه من زملائهِ الذاهبين في الدعوة ما الخبر ، فذهبوا قرؤا آية الكُرسي ورجعوا فرأوا هذا المسكين يمشي بين يدي الجمل ورجليه ولا يدخل فيهِ أصلا. أصلاً عقلاً مُستحيل يكون دخل مُستحيل لكنه سحر أعيُن الناس هذا سحر التخييل حجب عن هؤلاء الفُضلاء بالآية العظيمة آية الكُرسي وقد ورد في فضلها ما لا يخفى عليكُم ولا على من يسمعُ حديثي هذا . والمقصود هذا سحرُ التخييل .
 السحرُ الآخر قال الله عنهُ في البقرة (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا) أي من الملكين (مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فذكر الله -جل وعلا- سحر التفريق بين المرء والزوج وأن هذا يقع لكنّ الله قال أنهُ مُقيدٌ بإذن الله -تبارك وتعالى- ولا يمكن أن يقع شيء لا قدرياً ولا شرعياً إلا بإذنٍ من الرب -تبارك وتعالى- (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) وكُلُ السحر ضرر والله يقول (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ) .
غايةُ الأمر أنني أجمع شتات الآيات ، شتات معاني الآيات -فالآيات لا يُقال لها شتات- في أن السحر في القرآن جاء على صورتين : سحرُ تخييل وسحرُ تفريق ، ولا أذكر هناك نوعا ثالثا موجودا هنا . وقد ذكر بعضُ الفُضلاء أنواع أُخر لكن لا أعلمُ لها دليلا من الكتاب . الذي يعنينا : الله -جل وعلا- يقول (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) إلى موسى (أَنَّهَا تَسْعَى) تتحرك .
 قال الله (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) دخل الخوفُ إليهِ رغم أنه يعلم أنه سحر وهذا باعتبار بشريته لكنّ هذا يا أُخي ليس مُستقِّرا في قلبه وإنما أمرٌ عارض وعليه تُحمل كثير من الآيات المُشابهة، ليس مُستقراً في قلبه -عليهِ السلام- وإنما باعتبار الجِبِلّة هو أمرٌ عارض ، هذا الأمر والخوف الحاصل في هذا المجمع لا يمكن أن يُنزع ويُثبّت إلا بوحيً عظيم من ربٍ كريم فأوحى الله -جل وعلا- إليهِ (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى) أعلى منهُم لأن ما قدّمُوه تلفيق وتمويه وما ستُقدّمهُ تأييدٌ من العلي الكبير وشتان ما بين الأمرين . هذا تلفيق ، تمويه يخدعون به الناس أما أنت ما ستفعلهُ أمرٌ إلهيٌ ، مُعجزة إلهية من لدُنّ ربك . (إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى *وَأَلْقِ)  ماذا ؟ (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) قال العُلماء : ذكر الله اليمين هنا من باب البركة (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) ذكر الله اليمين من باب البركة ، واليمينُ معروفٌ فضلها بالشرع ، ومن دلائل فضلها أن من طرائق القرآن أن الله إذا أفرد وجعل مُقابل الإفراد جمع دلّ ذلك على فضيلة المُفرد قال الله (عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ) "الظُلمات والنور" فأفرد النور وجمع الظُلمات ، وأفرد اليمين وجمع الشمائل ليُبين فضل النور وفضل اليمين مُقابل الظُلمات ومُقابل الشمائل .
 قال الله (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) هذا تذكير بالشيء القديم يوم كان بين يدي الله. ألقى الكليمُ ما أمره بهِ البر الرحيم فألقى عصاه . قال الله ((وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) وقول الله -جل وعلا- (حَيْثُ أَتَى) نفيٌ قاطع كُلي لا استثناء فيه أن الساحر لا يمكن أن يُفلح أبداً ، وأكبر الدلالة على أن السحرة لا يُفلحون أنهم أفقر الخلق ، أكبر الدلائل على أن السحرة لا يُفلحون أنهُم أفقر الخلق لا يستطيعون أن يحمُوا أنفُسهم من دورية ورجال هيئة وهم بشر مثلهم لا يملكون من الأعوان أحدا مثلهم ممّا يدلُ على ضعفهم وعجزهم وحتى لو تظاهروا مرة أو مرتين أو ثلاث لا يلبثوا أن يقعوا .
(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ما الذي حصل ؟ قال الله في آية أُخرى (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) الكذب الذي جاءوا بهِ، انقلبت هذه العصا إلى حية حقيقية وليست شيئا في أعيُن الناس مُخيلا ، انقلبت إلى حية حقيقية هذه الحية الحقيقية لديها القُدرة أن تأكُل الحبال والعُصي وهي تراها على أنها حبال وعصي لا تراها على أنها حيايا فأخذت تأكلهم ولا يعرف الشيء مثل صانعه وهؤلاء السحرة ينظرون وينظرون لها على أنها حية ويرون حبالهُم وعِصيهم على أنها حبال وعِصي هم لا يسحرون أنفُسهم . لكن تبّين لهم قطعاً أن ما جاء بهِ موسى ليس بسحر وأنّه مؤيدٌ بربه ، الآن ما الذي نفعهُم بعد الله؟ تلك الكلمة الطيبة يوم أن قدّموا أنهُم أنصفوا موسى بقولهِم  (إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وفرعون يسمع ، لكن لشيءٍ أراده الله حتى يُتمّ الله عليهم النعمة ، وإذا أراد الله -جل وعلا- شيئا هيأ أسبابه .
أُنظر إلى هاجر أين كانت هاجر؟ خادمة عند ملك كافر وسارة من أجمل نساء العالمين أقرب الناس شبها بأمنا حواء فجاء الفاجر ليفعل بها ونُحّي إبراهيم فجلس إبراهيم يدعو وجلست سارة تدعو -في حديثٍ صحيح- تقول "اللهم إن كُنت قد آمنتُ بك وبرسولك وأحصنتُ فرجي إلا على زوجي فاحفظني" فحفظها الله فلمّا حفظها الله شُلّ ذلك الفاجر -أُعيق- فقال لها أُدعُ لي ولا أضُرك ، فدعت له فلمّا عاد واطمأن عاد مرة أخرى فرجعت إلى دُعائها فردّهُ اللهُ عنها ، فدعت مرة أُخرى فقال لمن أتى بها إنك لم تُدخلني على امرأة إنما أدخلتني على شيطان ثمّ فُتن بجمالها وجاء في نفسهِ أن هذا الجمال مُحال أن يخدم نفسهُ بنفسه قال أعطوها هاجر ، من هاجر؟ جارية عند كافر ظالم، فأُعطيت هدية لمن ؟ لسارة فخرجت هدية جارية لسارة تخدمها ثُمّ يقع في سارة يُؤخّر حملها -مو لا تحمل- حملت بإسحاق لكن يُؤخّر حملُها حتى يُصبح في قلب سارة حَزَن على زوجها إبراهيم أن ليس لهُ ولد فتطلُب منه أن يدخُل على جاريتها هاجر بعد أن وهبته إياها فيدخلُ إبراهيم على هاجر فيُولد من هذه الجارية التي هي بالأمس خادمة عند ملكٍ كافر يخرجُ من هذا الرحم أبٌ لسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- محمد ابن عبد اللهِ وهو إسماعيل جد العرب،  جد نبينا -صلى الله عليه وسلم .
 فأنظر إذا أراد الله بعبد فضل كيف تجري الأقدار. لو كان قدّر الله أن سارة حملت بإسحاق لما طلبت سارةُ من إبراهيم أن يدخُل على هاجر لكن أُخر حملُ سارة من إبراهيم حتى يدخُلُ إبراهيمُ على هاجر فيكونُ من هاجر إسماعيل ويكون من إسماعيل محمد -صلى الله علية وسلم- . والمقصود هؤلاء رُزقوا خطابا حسنا ، وحتى رِزق الخطاب هذا ممّن ؟ هذا فضلٌ من الله لكن حتى تعلم أن الأمور لها أسباب تجري على نسقٍ واللهُ يقول في هذا حقًا وفي أمثاله (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)وهذهِ نفائسُ العلم التي تُبنى عليها أحداثُ الزمن ومرور الأيام وكيفية اجتثاث العِبر والدراية بأحوال الخلق وأن هناك ربٌ لا رب غيرهُ ولا إله سواه يحكُمُ في خلقه ما يشاء ويفعلُ ما يُريد .
 نقول: بعد هذا كُلهِ ماذا حصل ؟ قال الله (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) طبعاً السحرة ما كانوا واحد أو اثنين كانوا كثيرين منهم من قال "ءامنا برب العالمين" ومنهُم من قال "ءامنا برب موسى وهارون" ومنهُم من قال "ءامنا برب هارون وموسى" لم يُعقل، لم يعتقدوا أبداً أنهم سيُؤمنوا حتى نقول اتفقوا على كلمة واحدة فاختلف التعبير وبكُل تعبير ورد القرآن ، ذكر الله -جل وعلا- المواطن كُلها أو الطرائق التي عبّر عنها السحرة .
 قال ابنُ عباس -رضي الله تعالى عنهما- فيما نُقل عنه "كانوا أول النهار كفرةً سحرة وأصبحوا أخر النهار شُهداء بررة" . ولهذا لا ييأس أحد من هداية أحد ، ولا يدري أحد أين الخواتيم ، يخرجون من دُورهم ، من بيُوتهم يُمنّون أنفُسهم بالعطايا الدنيوية ويُريدون أن يُحاربوا الله ورسوله ثُمّ لا يلبثوا أن يُؤمنوا ويخرّوا ساجدين .
هذا السجود -كما سيأتي في اللقاء القادم- أورثهُم عزةً ومنعه لماذا؟ مرّ معنا أن الإنسان لا يُمكنُ أن يكون في وضع ٍ هو ذليلٌ فيهِ أعظم من ذلة السجود وكُلّما ذللت نفسك بين يدي الله كُنت منهُ قريبا فلمّا ذلّوا أنفسهم وسجدوا أورثهم الله بذالك السجود الذي سجدوهُ له عزة وإباء ومنعة فلمّا هدّدهم فرعون لم يكُن مُبالون بتهديدهِ (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أربعون عاماً وفرعون يُرسّخ فيهم انه رب، وأنه إله، وأنه يقتُل ويبطُش ، كُلهُ مُحي بسجدة ربُما لم تتجاوز دقائق معدودات لأن الموروث الذي أخذوه من فرعون هباء منثور وإن كان لهُ حقيقة . أما ما أخذوه من عطاء إيماني ونور قلبيّ من الله هذا يثبُت يقول الله جل وعلا (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- (أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربهِ وهو ساجد) وقال (أما وأني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجدا أما الركوع فعظّموا فيهِ الرب وأما السجود فأكثروا فيهِ من الدُعاء فقمنٌ ــ أي جديرٌ وحقيقٌ ــ أن يُستجاب لكُم). وهذا نختمُ بهِ هذا اللقاء لأن ما بعده مُتواصل الأحداث يحسن أن نقف عند حكاية الله -جل وعلا- عند إيمان السحرة (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) هذا اليوم كان يوم الزينة فأبدلهُم الله -جل وعلا- بأن نجّاهم في يوم عاشورا الذي صامهُ موسى وبنو إسرائيل من بعدهِ ثُم صامه نبينا صلى الله عليه وسلم .
 أيُها الابنُ الصالح جُملة ما قُلناه أن الله -جل وعلا- أخبر في هذهِ الآيات التي بين أيدينا أنهُ أظهر الآيات وأقام الحُجج والبراهين على فرعون لكن فرعون أستكبر آية بعد آية وهو يرُدُها ثمّ وقع منه حفاظا على الوضع الاجتماعي القائم عنده أن يُخوّف الناس وتواعد مع موسى على يوم هو الذي عرضه فأجابه موسى ، ثُمّ كان ما كان من عرض الأمرين وقلنا إن من الخير لك أن لا تبدأ أحد بنقاش حتى لا تشعُر بالغلبة وإنّما أطلُب من غيرك أن يعرض ما عنده حتى لا يكون ما عندك القصدُ بهِ العلو على الناس . فنصر الله -جل وعلا - كليمهُ وأخاه فأثر ذالك فيمن يعرف الحق وهم السحرة ولا يُعلم أن أحداً من القبطيين الذين شهدوا ذالك النزاع آمن لأنهم خرجوا من عند بيوتهم وليس في نيتهم الإيمان ولم يقع في قلبهم البحث عن الحق قالوا ( لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) فكانت منّة الله على السحرة دون غيرهم من الناس وقد قدّمنا أن ابن عباسٍ قال " كانوا في أول النهار كفرة سحرة وفي أخر النهار شُهداءُ بررة" ، وقُلنا إن في هذا بيانٌ لفضل الله ورحمتهِ بالخلق وأنه لا يُدرى أين الخواتيم ختم الله لنا ولكم بخير .
هذهِ جُملة ما تحدث عنه الآيات في سورة طه نسأل الله لنا ولكم التوفيق والمزيد من العون والرعاية وسنُكمل إن شاء الله في لقاءٍ قادم خبر هذا النبي الكريم مع فرعون نسأل الله التوفيق وأن يُعلّمنا ما ينفعُنا وأن ينفعنا بما علّمنا .
هذا ما تهيأ إيرادُهُ ويسر الله -جل وعلا- على قولهِ سُبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المُرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على مُحمد وعلى آله، والحمدُ لله رب العالمين كرةً أُخرى.
------------------------------------
النص من مكتبة الشاملة (بتصرف يسير)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق