الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

التعريف بعلم مقاصد السور

د. محمد بن عبد العزيز الخضيري


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألاّ إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد : 
فهذا هو المجلس الأول من مجالس الحديث عن مقاصد سور القرآن والتي نرجو الله -سبحانه وتعالى- أن يعيننا فيها على إتمام هذه المقاصد وأن نمُر على سور القرآن سورة سورة فنتحدث عن مقصود كل سورة من سور القرآن حتى تتبيّن لنا كثير من معاني هذه السورة .
الحديث عن مقاصد السور لا يكاد يكون مذكورا في مجالس الدروس والمساجد ولذلك أحببنا أن نتحدث عنه حتى نُعرِّف الناس به وحتى يكون طريقا لفهم القرآن ومعرفة مقاصده وأغراضه من خلال التعرف على الموضوعات الأساسية والأهداف الكبرى لكل سورة . وهذا العلم أشار إليه جمع من المفسرين بل واعتمده بعضهم طريقا لفهم آيات السورة ومعرفة موضوعاتها والربط بينها وذِكر مناسبات هذه الآيات ، وأيضا لمعرفة المناسبات بين مقاطع السورة وبين قصصها المذكورة فيها ، وبين أولها وخاتمتها كما سنبيّن إن شاء الله تعالى .
في هذا المجلس سنتحدث عن مقدمات مهمة في مقاصد سور القرآن وسنكمل بقية هذه المقدمات في المجلس القادم ثم بعد ذلك نأخذ سور القرآن من الفاتحة إلى الناس بإذن الله - عز وجل - سورة سورة ونتحدث في كل سورة عن مقصودا من خلال :
جمع كلام أهل العلم في مقصود تلك السورة ، ثم بيان ما هو المقصود الذي يترجح لدينا ثم ذكر الأدلة التي تُبيّن أن هذا هو المقصود من تلك السورة ، وما الذي نستفيده من تحديد هذا المقصود فبإشارة إلى أهم موضوعات تلك السورة ومعرفة معانيها .
 نبدأ أول ما نبدأ بالتعريف بعلم مقاصد السور فأول مسألة تأتينا في هذا الباب هو: تعريف مقاصد . ما الذي يُراد بكلمة مقاصد ؟ 
هذه الكلمة تدور في لغة العرب على معنى التوجّه والنهوض إلى الشيء ، فإذا قال العربي قصد فلان إلى كذا أي توجّه إليه يريده دونما سواه ، نهض إليه يريد الوصول إليه دونما سواه ، فلو قلت قصدت مكة أي توجهّت ونهضت إليها أريدها دونما سواها .
إذا فالمقصد هو : العمدة الذي يُتوجه إليه الكلام ويرجع إليه .
يقول الفراهي مبينا المقصد الأساسي : "هو جماع مطالب الخطاب فإليه مجرى الكلام ، وهو المحصول والمقصود منه فليس من أجزائه التركيبية ولكنه يسري فيه كالروح والسِّر وربما يحسُن إخفاؤه فلا يُطّلع عليه إلا بعد استيفاء الكلام والتدبر فيه"
تأمل هذه الكلمة من هذا الإمام وهو الفراهي - وهو من علماء الهند - أن جماع الكلام أي ما يجتمع من هذا الكلام وما يُقصد منه هو المراد بقولنا مقصود السورة ، وأن هذا في الغالب يكون خفيا ليس جليا ظاهرا ولذلك يقول "فلا يُطّلع عليه إلا بعد استيفاء الكلام والتدبر فيه" يعني لا نستطيع الاطلاع عليه - في غالب الأحيان - إلا بعدما نتأمل وندقق ونجتهد .
 ويقول "إن النظر في آيات السور لا يدع شكا أن عمود الكلام - ويقصد بـعمود الكلام مقصود الكلام أو مقصود السورة - ليس إلا الأمور الكُلية التي لا تتعلق بوقت ولا زمان" هنا يُبيّن أن المقاصد لا يمكن أن تكون أشياء جزئية بل لابد أن تكون أشياء كلية ، عظيمة يُقصد إليها ولذلك يمكن أن يُستنبط من كلامه أن المقاصد لابد أن تكون أمورا كلية ليست متعلقة بزمان ولا بمكان وأيضا هي معاني خفية لا يُوصل إليها إلا بالاجتهاد والنظر والتأمل ودقيق الفِكر. وبهذا يمكن أن نعرف مقصد السورة بأنه : مغزى السورة الذي ترجع إليه معاني السورة ومضمونها ويُمثل روحها الذي يسري في جميع أجزائها. 
فعندما تنظر إلى المقصود تجده مركوزا في كل موضوع من موضوعات السورة ، وتجده بيّنا واضحا يتراءا لك عندما تدقق في نظرك وتتأمل تأملا جيدا .
ويمكن أيضا أن نقول بعبارة أخرى : إن مقاصد السور علم يُعرف به مغزى السورة الجامع لمعانيها ومضمونها . المغزى يعني : الحكمة التي قصدت السورة لتحقيقها والهدف الأعلى ، والغاية العظمى التي جاءت السورة لتحقيقها . 
وقد عرف البقاعي هذا العلم فقال : "هو علم يُعرف منه مقاصد السور وموضوعه آيات السور كل سورة على حيالها" . يعني أننا بهذا العلم نستطيع الوصول إلى مقصد السورة وغايتها العظمى وموضوع هذا العلم والمكان الذي يبحث فيه هذا العلم هو آيات السور كل سورة على حدة ، فأنت تأتي إلى سورة البقرة بكاملها ، بجملتها من أولها إلى آخرها ، تأتي إلى سورة آل عمران كذلك ، سورة النساء كذلك مثلما نقوله في سورة الفاتحة والإخلاص والفلق والناس ونحوها من سور القرآن .

المسألة الثانية في التعريف بهذا العلم : ما هي المرادفات لمصطلح مقاصد السور ؟
نحن الآن سميناه مقاصد السور ولكن بعض العلماء يُسمّيه بغير ذلك ونحن سنذكر هذه الأسماء لأجل أنك إذا وجدت التنصيص عليها في بعض كتب التفسير لا يذهب وهلك إلى شيء آخر بل هو يتحدث فيما نحن نتحدث فيه ، فنحن نسميه مقاصد سنصطلح على ذلك وسنبقى عليه ، وبعض العلماء يُعبر عنه بـ:
سياق السورة يقول وسياقها في كذا فيقولون "وسياق سورة الليل في السماحة والبخل ، وسياق سورة الضحى في نِعم الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم" .
- وقد يُعبرون عنه بغرض السورة فيقولون غرض سورة القيامة هو الحديث عن يوم القيامة أي الحديث عن القيامة على كل شخص وعلى كل الناس ، وغرض سورة "قل هو الله أحد" هو الإخلاص ، إخلاص صفات الرب سبحانه وتعالى وأسمائه التي لا يُشاركه فيها أحد .
- وأيضا يُقال فيها الوحدة الموضوعية حين يُقال الوحدة الموضوعية في هذه السورة هي كذا ، وكذلك الوحدة السياقية للسورة .
- وكذلك من المصطلحات موضوع السورة العام ، وكذلك عمدة السورة ، وهدف السورة ، ومحور السورة ، ومضمون السورة ، ومدار السورة ، وفلك السورة ، وجو السورة ، وشخصية السورة ، وروح السورة . وكل هذه يستعملها المفسرون أو من يكتبون في التفسير كله أو بعضه للتعبير عن مقصود السورة.

المسألة الثالثة : ماهو الفرق بين موضوعات السورة ومقصود السورة ؟
نحن اصطلحنا على أن نسمي هذا العلم مقصود السورة لكن لابد أن نوجد فرقا بينه وبين هذه الأجزاء التي تتكون منها السورة وهي عبارة عن قضايا مختلفة مذكورة في السورة عندما تنظر إلى كل قضية تجد أنها مستقلة ولكن هناك خيط رفيع يجمع بين هذه القضايا ويؤلف بينها ، هذه القضايا سنسميها نحن موضوعات السور.
 فمثلا : عندما نقول سورة البقرة ، سورة البقرة تتحدث موضوع خلق آدم ، عن خروج آدم من الجنة ، عن نِعم الله على بني إسرائيل ، عن عصيان بني إسرائيل لنبيهم موسى ، عن إنكار اليهود لنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن نسخ القبلة ، عن بناء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - للكعبة ، عن البر وتعريفه ، القصاص ، الوصية ، الصيام ، الجهاد ، الحجّ ...الخ فهذه نسميها موضوعات وما نريد الوصول إليه هو المقصود .
يقول مثلا : سورة البقرة نجدها اشتملت على موضوعات منها الأحكام التشريعية لكن جميع الموضوعات فيها يجمعها مقصد واحد وهو تقرير كليات الشريعة أو حفظ الضرورات الخمس ولهذا قال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - : "وقد ذكرت في مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول العلم وقواعد الدين".
وقال الشاطبي - رحمه الله - في الموافقات :"لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما نزل سورة البقرة التي قررت قواعد التقوى المبنية على سورة الأنعام فبيّنت العبادات والعادات والمعاملات والجنايات وحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فكان غيرها من السور المدنية مبنيا عليها".
 انظروا إلى هذا الترتيب العجيب ، سورة البقرة مبنية على ما ورد في سورة الأنعام من الأمر بتقوى الله ولذلك هي أول سورة نزلت في المدينة وهذه السورة بيّنت العبادات والمعاملات والجنايات والعادات ، وبيّنت حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فكان غيرها من السور المدنية مبنيا عليها ، يعني ما جاء في سورة آل عمران مبني على ما في سورة البقرة ، ما جاء في سورة النساء مبني على ما في سورة البقرة ، ما جاء في سورة النور مبني على ما في سورة البقرة ، وما جاء في سورة الأحزاب مبني على ما في سورة البقرة . فكل ما جاء في السور المدنية مفرع على ما جاء في سورة البقرة وهذا يُبين لك أن هذا القرآن نزل مُحكما وأن آياته وإن فُصّلت فإن هذا التفصيل لا يخالف ذلك الإحكام ولا يُضاده .

لتحميل الملف الصوتي ⤵ 







___________________________________


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق