الأربعاء، 8 فبراير 2023

الإلمام بآيات الأحكام الحلقة (27) - الآيات (229 : 232) من سورة البقرة


  قوله تعالى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة:229]
 المقصود بـ (الطلاق مرتان) هنا الذي يمتلك فيه الزوج الرجعة يعني الطلاق الرجعي هو المقصود به أنه مرتان، أي: يُطلق ثم يُراجع، ثم يُطلق ثم يُراجع، ثم بعد الطلقتين إما أن يمسكها في عصمته مع المعاشرة بالمعروف أو يُطلقها الثالثة وتبينُ منه. 
فلذلك نقول: من أحكام هذه الآية الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان، أما إذ زادت فهو طلاقٌ بائن.

من فوائد هذه الآية أيضًا: أن العلماء أجمعوا على أن من طلق امرأته وهي طاهر في طهرٌ لم يمسها فيه؛ أنه مطلقٌ للسنة هذا طلاق السنة، أما الذي يُطلق زوجته وهي حائض؛ فطلاقه بدعي يسميه العلماء الطلاق البدعي .

أيضًا من فوائد هذه الآية: جواز الخُلع من غير اشتكاء ضرر، أنه يجوز للمرأة أن تخلع زوجها حتى لو كان ليس هناك مضرة، أخذوها من قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}.

ومن فوائد هذه الآية: أن أخذ الفدية على الطلاق جائز وهو ما يسمونه الخُلع.
 واختلف العلماء في إرسال الثلاث طلقات دُفعة واحدة هل يقع طلاق ثلاثًا أو طلقة واحدة؟ يعني إذا الرجل طلق زوجته بالثلاث - كما ما يقولون- فهل هذا يُعتبر طلقة واحدة  أم ثلاث طلقات؟ إذا جمعها لها في مجلس واحد؟ 
فذهب إلى الأول الجمهور أنها تقع ثلاثًا، وذهب إلى الثاني من عداهم وهو الذي اختاره ابن تيمية واختاره ابن القيم يعتبرها طلقة واحدة، وهذه المسألة  أيها الأخوة  طبعًا الناس ينظرون فيها إلى المفتون وينظرون فيها إلى التسهيل على الناس، لأنه قد يكون أرفق وقد يكون لما يجلس مع الزوج يجد أنه كان في حالةٍ غضب، وأن هذا أجمع لشمل الأسرة فيجعله طلقة واحدة.
ولذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس تساهلوا في موضوع الطلاق أمضاه عليهم الثلاث ثلاث، فراحت عليهم زوجاتهم، قال: الواحد يُحافظ على لسانه ويحفظ يمينه ويحفظ الطلاق ليس فيه هزل.
 هذه أبرز الفوائد من هذه الآية وقلت لكم: لو كنا نريد أن نستنبط من كل آية الأحكام التفصيلية والأحكام التي تستنبط بدلالة اللزوم والتضمن ونحوها، لكان في كل آية أقل شيء عشرين أو ثلاثين حكم، خاصةً هذه الآيات المليئة بالأحكام.

قوله I{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
 هذه الآية إذا طلق الزوج زوجته ثلاثًا فإنها تبين منه، قال: {فإن طلقها}، يعني الثالثة {فلا تحل له من بعدخلاص إذا طلق الرجل زوجته وبانت منه بالطلقات الثلاث فإنه لا يجوز له أن ينكحها إلا إذا تزوجت رجل آخر، ثم يُطلقها الرجل الآخر فيجوز لها أن ترجع للزوج الأول، هذا معنى الآية. 
الجمهور من السلف رأوا أنه لابد من العقد مع الوطء، يعني {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره}، نكاحها للزوج الثاني البعض يقول: نعقد العقد بس، قالوا: لا، لابد من النكاح كما في الحديث.

الحكم الثاني أيضًا: في الآية دليل على أنه لابد من أن يكون ذلك نكاحًا شرعيًا مقصودًا لذاته، بمعنى نفي ما يُسمونه بالتيس المستعار المُحلل، يعني مثلًا واحد طلق زوجته وتندّم على ذلك، فجاء قال لأحد أصدقائه، أُريد منك مساعدة، أُريد تتزوج زوجتي الأولى ثم تُطلقها وأتزوجها، هذا مُحرم هذا الفعل، يروح هذا يفزع لي يقول: أبشر، هذا لا يجوز هذا، ويسمون الذي يفعل هذا الفعل أنه تيس مستعار، يعني تشبيه ظريف فلا يجوز هذا، وإنما تتزوج المرأة زواجًا شرعيًا مقصودًا لذاته وتبقى مع زوجها الثاني، ثم إن طلقها لأي سببٍ من الأسباب وأراد زوجها الأول أن يتزوجها؛ فبها ونعمت هذا هو معنى الآية.

أيضًا من فوائد هذه الآية: طبعًا أنهم يقولون: أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثًا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجًا ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول فإنها تبقى عنده ثلاث تطليقات كيف؟ لأن البعض يقول: إذا رجعت زوجته إليه بعد زواجها من زوجٍ ثاني فهل تبقى عنده ثلاث طلقات، يعني بحيث أنه لو طلقها ثلاث طلقات أو طلقة واحدة، هذا طبعًا رأي يذكرونه في كتب الفقه وفي كتب التفسير، والصحيح أنها زوجة كسائر الزوجات لها ثلاث طلقات طيب.

قوله I{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة:231] الآية
 المقصود بها: إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا رجعيًا فقاربن على انتهاء العدة فلكم أن تُراجعوهن أو تتركوهن دون رجعة حتى تنقضي عدتهن، ولا تراجعهن لأجل الاعتداء عليهن والإضرار بهن. يعني الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا رجعيًا فإن بعضهم يتركها حتى يُقارب أن تنتهي العدة ثم يُراجعها ثم يُطلقها، فيعبث بها ويتلاعب بها المسكينة، فلذلك قال الإمساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة وعجز عن الإنفاق عليها فإنه يُطلقها، كما قال الله تعالى {فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان}، ليس فيه إهانة وليس فيه إذلالٌ للمرأة، فإن لم يفعل ذلك خرج عن حد المعروف، فيُطلِّق عليه الحاكم أو القاضي ويُجبره على طلاقها لأن في ذلك إضرارًا بها.

الآية التي بعدها: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:232]
 هذه الآية خطابٌ لأولياء النساء، { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا}، يعني أن يرجعوا إلى أزواجهم، ففي الآية دليل على أنه لابد من الولي في النكاح لأنه نهى الأولياء عن العضل ولا ينهاهم عن أمر إلا هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق. يعني المرأة إذا طلقها زوجها طلاقًا رجعيًا وذهبت إلى وليها، فأرادت المرأة أن تعود لزوجها، يقول والدها: لا، ما ترجعين له، فهذه الآية في هذه الحالة الله نهى الأولياء ما دامت بنتك أو وليتك تريد أن ترجع لزوجها في وقت الرجعة وتراضوا فيما بينهم، فلا تعضلوهن بمعنى لا تمنعوهن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق