الثلاثاء، 21 فبراير 2017

معنى التـأويـــل

من أسماء التفسير التأويل مأخوذ من الأولِ وهو الرجوع. يُقال: أوّل الكلام تأويلا وتأوّله أي فسّره ودبّره كما في القاموس.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما داعيا له (اللهم فقهه في الدين وعلِّمه التأويل).
ويُكثر من استعمال هذه اللفظة (التأويل) بمعنى التفسير شيخ المفسرين الإمام الطبري -رحمه الله- فكثيرا ما يقول في تفسيره "القول في تأويل قوله تعالى .. اختلف أهل التأويل في هذه الآية" ونحو ذلك. 
وهاهنا مسألة وهي :
 ما معنى قول الله تعالى: 
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [سورة آل عمران ٧]؟ 

 يطلق التأويل على معنيين: 
- الأول : حقيقة الشيء وكُنهُه وما يؤول إليه. أي ظهور المُتكلَّم به إلى الواقع، ارتفع وعلا فظاهر الآية مراد. 
استواء يليق بجلاله وعظمته ولذلك قال الإمام -رحمه آلله- "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
 وكذلك ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )[سورة الفتح١٠] 
اليد في اللغة معناها معلوم، والنص على ظاهره (يد الله) لله يد تليق بجلاله وعظمته ليست كأيدي المخلوقين. 
وهكذا (وَجَاءَ رَبُّكَ)[سورة الفجر ٢٢] جاء تعالى بنفسه مجيئا يليق بجلاله وعظمته فنحن على ظاهر النص لا نعدِل عنه ، لا نصرِفه عن ظاهره ، لا قرينة تُوجب ذلك لأن الظاهر صحيح جاء مجيئا يليق بجلاله وعظمته. 
فكما نُثبت له إرادة تليق بجلاله وعظمته ، وسمعا يليق بجلاله وعظمته، وبصرا يليق بجلاله وعظمته فكذلك نثبت له يدا تليق بجلاله وعظمته ، ووجها يليق بجلاله وعظمته، ومجيئا وإتيانا ونزولا يليق بجلاله وعظمته، وهكذا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[سورة الشورى ١١] . ومن تأول الاستواء والنزول والمجيء بتأويلات أخرى فإنه تأويل باطل وصرفٌ للفظ عن ظاهره بلا دليل صحيح. فأهل السنة إذا يثبتون ما أثبت الله تعالى لنفسه من الصفات وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كالكلام والسمع والبصر والغضب والرضا والضحك والوجه واليدين على ما يليق بجلاله وعظمته تعالى ، ونجُري نصوص الصفات على ظاهرها من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل . 

من أمثلة التأويل الفاسد : 
/ التأويل بلا دليل ، وهذا في الحقيقة من اللعب، يتلاعبون بنصوص الشريعة كما تأول بعض المبتدعة: 
 - تأولوا قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) على الرقص الصوفي. 
- وكذلك ما فعله الرافضة بقوله تعالى : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) قالوا: فاطمة. 
(فِيهَا مِصْبَاحٌ ) قالوا: الحسن . 
(الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) قالوا الحسين .
(نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ) قالوا: إمام بعد إمام من أئمتهم الإثني عشر.
- (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلَِ) قالوا: الأئمة. 
- (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) قالوا: علي. 
- (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) قالوا: أبو بكر وعمر. 
- (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) قالوا: التقية. 
- (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) قالوا علي وفاطمة. 
- (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) قالوا: الحسن والحسين. 
-( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةًَ) قالوا: عائشة. 
- والشجرة الملعونة في القرآن قالوا: بنو أمية.

/ تحريف معاني النصوص مع إبقاء اللفظ على ما هو عليه هو طريقة اليهود قال تعالى : (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ٧٥] وعند اليهود تحريف اللفظ : (حطة) قالوا (حنطة).
  وتحريف المعنى  يبقون اللفظ ويحرفون المعنى.
 وهذا التأويل الفاسد أصل من أصول الضلال قال ابن القيم -رحمه آلله- : "أصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يُرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مُراده ، وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل -يعني الفاسد- ، وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل -يعني هذا الباطل- ، وهل أُريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل." [إعلام الموقعين] 
وقال -رحمه آلله- : 
 هذا وأصل بلية الإسلام ** من تأويل ذي التحريف والبطلان 
 وهو الذي فرّق السبعين بل ** زادت ثلاثا قول ذي البرهان 
وهو الذي قتل الخليفة ** جامع القرآن ذي النورين والإحسان 
وهو الذي قتل الخليفة بعده ** أعني عليا قاتل الأقران 
وهو الذي قتل الحسين وأهله ** فغدوا عليه ممزقي اللحمان

/ ومن أمثلة التأويل الفاسد: 
تأويل الباطنية للقرآن ، وهو من أخبث التأويل فقد زعموا أن للدين ظاهرا وباطنا، زعموا أن للآية ظاهرا وباطنا، وأن للحديث ظاهرا وباطنا، وأن الظاهر هذا للعامة والباطن لأئمتهم وللخواص، فترى ذلك عند طوائف من الباطنية كالنصيرية الذين يأولون الصيام بأنه حفظ أسرار الطائفة، والحجّ الذهاب إلى شيخ الطائفة، والزكاة رمز لشخصية سلمان، والصلوات الخمس أن تقول علي .. فاطمة .. الحسن .. الحسين .. محسن، ويقولون الجهاد صبّ اللعنات على الخصوم وفُشات الأسرار، والولاية الإخلاص للأسرة النصيرية وكراهية خصومها، والقرآن مدخل لتعليم الإخلاص لعلي. وهكذا.

والمعاصرون أيضا لهم تأويلات فاسدة للقرآن: 
- كما أوّل بعضهم الشورى في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرَِ) بالديموقراطية. 
- وكذلك مانعوا الزكاة الذين أولوا (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) بأنها تُدفع للنبي صلى الله عليه وسلم فقط فإذا مات فلا زكاة. 
- والذين أولوا قول الله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينٌ) وقوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أن هذا يدل على حرية الاعتقاد لأي دين ولأي ملة في العالم. فلو أكمل الآية (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)!! 
- وبعضهم يفسر قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) بترك الولاء لأهل الإيمان والبراءة من الشرك. 
- وبعضهم يفسر (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) بوحدة التراب والدين لله والوطن للجميع وكأنه لا شريعة لله تحكم. 
وهكذا من أنواع التلاعبات نسأل الله تعالى السلامة والعافية. 
 ------------------------------------
أكاديمية زاد/ الشيخ محمد صالح المنجد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق