الأحد، 28 سبتمبر 2014

الحلقــ التاسعة ـــة / التأمل في موقف موسى عليه السلام مع القبطي



سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين على حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
 انتهت مرحلة مهمة جداً من حياة موسى، عاش في بيت فرعون تُرضعه أمّه وقيل أنه يُؤتى به فيما بعد بين فترة وأخرى لبيت فرعون فلما انتهى الرضاع بقي في بيت فرعون ( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [سورة الشعراء : 18] فهو تربى في بيت فرعون لكن هناك ملحظ مهم جدا ولفتة مهمة جدا: تربى بين أمه وبين أخته وبين امرأة فرعون، فرعون لم يُربه وهذا يدل على أهمية تأثير المرأة في تربية أبنائها، أهمية اﻷم..اﻷخت. لما جاءت الصحابية الجليلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تُجادل في زوجها أوس بن الصامت قالت كلمة عجيبة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم وهي تشكو حالها له بعد أن ظاهرها زوجها رضي الله تعالى عنه تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن عندها صبية -صغار- تقول: اﻵن افترقنا بسبب هذا الظهار ماذا نفعل بهؤلاء الصبية؟ إن ضممتهم إليّ جاعوا، ﻷنها ﻻ تستطيع أن تنفق عليهم الذي ينفق هو اﻷب. طيب ضميهم للأب -أنا أقول هذا من باب الحوار وإﻻ لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم- وإن ضممتهم إليه ضاعوا. هذه كلمة عظيمة جدا تكمل تربية اﻷبناء بعنصرين: الأم تُحافظ على الأولاد "إن ضممتهم إليّ" ما قالت "ضاعوا" قالت "جاعوا" الأب هو الذي يُنفق فضل الله بعضهم على بعض بما أنفقوا من أموالهم كما بيّن الله جل وعلا، وإن ضممتهم إليه حتى يُنفق عليهم ويأكلوا ضاعوا، الأب مشغول في الدنيا -غالبا- لابد من التكامل.
هنا موسى عليه السلام تربى هذه التربية بهذه الصورة. لم يأتِ بعد ذلك ماذا حدث إنما قال جل وعلا (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) [سورة القصص : 14] ذكر بعض المفسرين أنه خرج من بيت فرعون لأنه رأى في بيت فرعون من الجرائم والمصائب والقتل مالا يمكن أن يصبر عليه ففارقهم استدلوا بقوله تعالى هنا (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) [سورة القصص : 15] لو كان في بيت فرعون لم يحتج إلى أن يدخل في حين غفلة لكن أصبح يمشي في الوقت الذي لا يُحسّ به.
 وهنا أيضا (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) قال العلماء...قال المفسرون هي وقت القيلولة لأن الناس يكونوا في بيوتهم ... الشوارع خالية -كما هو قديما الآن ربما اختلف الأمر- هنا انبه إلى تنبيه سمعته من أحد المشايخ قبل أكثر من ثلاثين عاما قال: "يجب أن ننتبه إلى بيوتنا فإنها تكثُر الجرائم أحيانا في وقت الضحى وليس القيلولة" لأن الناس في أعمالهم ومدارسهم والبيوت تخلو إلا من بعض النساء أو بعض الأطفال أو غير ذلك فكل مجتمع له ظروفه، له أحواله قد يكون بعد الظهر حين الغفلة وقد يكون الضحى -كما هو اليوم فعلا- ويختلف الأشهر رمضان عن غيره كما هو واقع. الشاهد أنه دخل على حين غفلة من أهلها ( فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) أي من بني إسرائيل (وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ)  [سورة القصص : 15]
هنا الوقفة : 
أولا: موسى عليه السلام صاحب إغاثة للملهوف، هو يحمل همّ هؤلاء المستضعفين من بني إسرائيل، هؤلاء المظلومين فوجد رجلين هذا قبطي قيل إنه طبّاخ في بيت فرعون، وهذا إسرائلي من عامة بني إسرائيل ويريد القبطي صاحب الطباخ عند فرعون أن يظلم هذا الإسرائلي حتى قيل إنه كان يأمره بأن يحمل حطبا. فموسى عليه السلام لم يسكت أمام هذا الظلم، لم يتحمل هذا الظلم، نفسه أبيّه، أراد أن يُبعد هذا القبطي ليس بالقتل، بضربة، وكزه والوكز غالبا لا يقتل. ذكر بعض المفسرين معنى لطيف جدا : إذا كان هذا طبّاخ في بيت فرعون ويظلم هذا الظلم لأن سيده ظالم، لأن البيئة التي يعيش فيها ظلمة فمن حولهم ظلمة فإذا كان هذا جريمة أو هذا علو أو هذه تربية الطبّاخ المُستخدم في بيت فرعون -وهو القبطي- كيف يكون من هو أعلى منه كهامان وزير فرعون ومن حولهم هذا الملأ كيف إذا فرعون الذي علا واستكبر؟! هذا معنى عظيم لذلك النجاة والبُعد عن الظلمة هو الحل. نعم. هذا معنى مهم جدا فلذلك يشعر بالكبرياء لأنه محمي مادام في بيت فرعون ولو كان طباخا فهو محمي لن ينال منه أحد يفعل كما يشاء، يتصرف كما يشاء، يظلم كما يشاء.... اللهم سلم...سلّم. موسى لم يتحمل، ما يمكن أن يرى المظلومين ويتفرج على أحوالهم، لابد من النجدة...لابد من الوقوف فا(....) فوكزه ما قصد قتله لكن وافقت مقتلا ضربت القلب أو غير ذلك فقضى عليه. هنا مباشرة منذ سقط شعر موسى -وهو لم يرد ذلك ولم يرد قتله- (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) كان الأولى أن يعالج الموضوع -يقول- بغير الوكزه ثم (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) مباشرة (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [سورة القصص : 15] فتوجه إلى ربه يسأل الله جل وعلا ويُبين أنه قد ظلم وأنه قد أخطأ في قتله (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [سورة القصص : 16] ( فَغَفَرَ لَهُ) إذا موسى اعترف بالذنب. قد يقول قائل: هو لم يرد قتله؟! طبعا القول الراجح والصحيح أنه لم يُبعث بعد -الأنبياء معصومون- لم يُبعث بعد ثم هو أصلا لم يُرد القتل، يرد (......) عرفناها ذنبا فكيف وهذا ظالم...طاغي وهذا مظلوم ومع ذلك قال الله ( فَغَفَرَ لَهُ) نعم لما قال (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) [سورة القصص : 15-16] 
أين بعض الشباب ...بعض أبنائنا الذين الآن بتأولات باطلة يُفجِّرون في داخل البيوت، يُفجِّرون في داخل المقرات .... بداخل الآمنين؟! يا أحبتي هذا ظالم...هذا قبطي يعبد فرعون وظالم وطاغي ومع ذلك موسى لم يُرد قتله ومع ذلك يقول (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) قال الله ( فَغَفَرَ لَهُ) معناه أنه وقع في خطأ. العجيب يوم القيامة يعتذر موسى عليه السلام من الشفاعة وعن الشفاعة الكبرى لأنه قتل هذا القبطي {إني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها} ماذا يقول الذين يقتلون المجاهدين....يثيرون الفتن داخل المجاهدين؟! ماذا يقول الذين يُفجرون في بلاد المسلمين بتأولات باطلة؟! وموسى...انظروا...تأملوا يا أحبتي. سبحان الله ... أين هم من هذه الآيات؟! (لَوْ تَزَيَّلُوا) يبين الله سبحانه وتعالى أنه منع استئصال مشركي قريش لوجود مؤمنين فيها ضعفاء  (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) كما في سورة الفتح. فإذا ما حُجّة هؤلاء الذين يُفجرون ويُدمرون ويُصيبون المسلمين وغيرهم؟ فضلا مع أنه أيضا أصل إصابتهم الآمنين. هذا طريق خاطئ عندما يعتذر موسى يوم القيامة لأنه قتل كافرا...ظالما من أتباع فرعون قتله ومع ذلك يعتذر عن الشفاعة الكبرى، وأيضا يعترف في لقائه مع فرعون في سورة الشعراء أنه كان مخطئا لأنه قال (ظَلَمْتُ نَفْسِي) وأيضا قال في سورة الشعراء لما حاوره فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ*قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) ما قال لا، فعلي صحيح وتستحقون، نعم الكافر يستحق لكن لها ضوابط، لها أصول، لها منهج، هذا معنى يغيب عن الأذهانوله آثار وكم دفعت الأمة من أمثال هذه التصرفات ولا تزال تدفع سواء في بلادنا أو في غير بلادنا، أعطو غيرهم فرصة لما يحدث الآن. لو تأملوا في قصة موسى، هذه القصة العظيمة إلى يوم القيامة ما فعلوا ذلك لأنني لا أشك أن كثير حسن النية، حسن القصد لكن فعله خطأ.
ثم سأل ربه جل وعلا (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) ما يقول هؤلاء الذين هم ظُهراء المجرمين، يدعمون المجرمين، يدعمون الظالمين، يُزينون لهم أعمالهم، يُصدرون لهم الفتاوى ؟! أعوذ بالله أن نكون من هؤلاء. احذر أن تكون في تصرفك أيها المسلم في أي بلد كنت -إذا كان بلدك يُحكم بغير شرع الله- أن تكون ظهيرا للمجرمين وكلٌ يتأمل نفسه وأخُصّ من لهم الكلمة فموسى يتوسل ويسأل ربه ألا يكون ظهيرا للمجرمين وحاشاه من ذلك. نعوذ بالله أن نكون كذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق