الأحد، 7 يوليو 2013

الوقفــ الثانية ــة من جـ13 / تابع لخبر نبي الله يوسف عليه السلام


هذه الوقفة الثانية من الجزء الثالث عشر ونحن ما زلنا في خبر نبي الله يوسف وننبه إلى أن قصته معروفة لكن سنحاول قدر الإمكان أن نُقرب ما فيها لأن ليس الدرس مخصوصاً بشرح قصة يوسف.
/ قال الله -جل وعلا- (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) ما معنى (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) ؟!
 لمَّا قدم بنيامين مع قومه ، مع إخوته في المرة الأُخرى أراد يوسف أن يستبقي بنيامين عنده مع احتفاظه بأن إخوته لا يعرفون  شخصية يوسف ، ويحتاج ابقاء بنيامين إلى طريقة ما جهلها يوسف فعلّمه الله طريقة يستبقي بها أخاه ، وهذه الطريقة كانت في أنه أمر من معه من خدمه وجنده أن يضعوا الصواع في رحل ومتاع هذا الأخ الأصغر الذي هو بنيامين فلمَّا ذهبوا -من غير أن يشعر- أضحى خدم يوسف ، جنده ينادونهم أنهم هؤلاء سُرَّق ، هؤلاء الإخوة أذكياء جداً لمَّا نادوهم هؤلاء بأن هناك سرقة وقعت ما قالوا ما الذي سُرق ، قالوا ما الذي فُقد حتى يُظهروا سلامة وضعهم (قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ) لمَّا قالوا ماذا تفقدون غيّر جنود يوسف ، خدم يُوسف الخطاب (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) فقالوا يُدافعون عن أنفسهم (تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) وقولهم (تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم) لابد أن يكون مبني على علامة ظاهرة لأن هؤلاء الناس لا يدرون عن نية إخوة يُوسف لكن كَمَّمو أفواه جِمَالهم حتى لآ تأكل من متاع الناس ومزارعهم فكانت علامة ظاهرة احتج بها الإخوة قالوا (لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) هنا جاء كيد الله الذي عَلَّمه يوسف (قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ) فرضنا وقع ، فرضنا أحدكم سارق ، فرضنا السارق منكم أنتم احكموا ، أي إنسان تقول له احكم أنت يحكم بناءًعلى ثقافته ، على الشيء الذي يعرفه على الشيء الذي يُحسنه ، يعقوب -عليه السلام- والدهم كان في شرعهم ، في ملَّته أن من سرق من أحد يُصبح رقيقاً مملوكاً لمن سرق منه ، يصبح مملوكاً لمن سرق منه يعني لا يوجد قطع لكن زيدٌ سرق من بيت عمر وعُرف واعترف يُصبح زيد رقيقاً عند عمر (قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ) هؤلاء أجابوا بما يعرفون (قَالُواْ جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ) خذوه ، هذا الذي ندين الله به هذا شرعُنا ، هذه ملَّة أبينا ، هذا شرعُ أبينا ، هذا الذي نَعرفه ، هذا ما نحفظه ، فوافق يوسف لأنه يعلم أن الصواع في رَحْلِ بنيامين قال الله (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ) المفسرون يقولون -هذا لم يأتِ في القرآن- لكن المفسرين يقولون : إنه لمَّا كان يفتح كل وعاء ويقول استغفر الله ممَّا رميتكم به ،استغفر الله ممَّا رميتكم به حتى وصل إلى وعاء بنيامين وكان صغيراً قال أمَّا هذا فما أظنه أخذ شيئاً قالوا لا افتح متاعه كما فتحت متاعنا قال الله (ثُمَّ  اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ) قال الله (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) في جزاء الملك ، في حوزة الملك إلا أن يشاء الله . ثم بيَّن الله أن هذا لا يمكن أن يُؤتى إلا من لدنه فقال (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أصابتهم الصدمة وما زالوا على شيء من الحنَق على يوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) يقصدون يوسف، اتهموه بسرقة وهو صغير ، هذه الكلمة كافية وهم غرباء ضعفاء وهو ملك -عزيز مصر- أن يبطش بهم لكن مالحزم؟ تَجَرُع الغُصص حتى انتظار الفُرص . الذي يريد أن يسوس الناس يكون صبور لا يستفزه أحد ، قال الله (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) ما الذي أسرها يويف في نفسه ؟! قال الله قوله (أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) لكن إلى الآن لم يحن وقت كشف اللثام فلم يتَعَجَّل ، وهذا القول منهم وعدم تجاوبه معهم يزيدهم قناعة أنه ليس يوسف لأنه ربما وقع في أذهان بعض منهم احتمال أن يكون هذا يوسف للشبه ، للجمال وهذا يصرفه كثيراً (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ).
(قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) تغيرت الحالة ( إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ*قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ) فلا يؤخذ أحدٌ بجريرة غيره(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ) دب إليهم اليأس (خَلَصُواْ نَجِيًّا) أي ذهبوا مع بعضهم مجتمعين يرون ماذا يفعلون في هذه النازلة (قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ)  دبّ إليه الحياء يقول أنا قبلت منكم في الأول أن أخذ القميص وأذهب إلى أبي وأنا القدوة لكم وأقول له إنه أكله الذئب والآن أعود مرة أُخرى وأنا الكبير وأقول له ابنك أضعته وأنت أخذت علي الميثاق هذا لآ يطاق (فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) ، (ارْجِعُواْ) من الذي يقول (ارْجِعُواْ)؟ الأكبر  (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ)  ماذا تفعلون ؟! قولوا الذي رأيتموه (فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) ووالله ما فيها تُهمة (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) لكن ليس لهم قَدَمُ صدقٍ عند أبيهم لأنهم كذبوا في الأول فما صَدَّقهم في الأُخرى (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) وهم لم تُسول لهم أنفسهم أمراً لكن هو بنى على الأول (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) أول كان يوسف الآن أصبح يوسف وبنيامين والأخ الأكبر أصبحوا ثلاثة (عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي في ناحية (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ)  والجُرح الجديد يُجدد الذكرى بالجرح القديم (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ما يجد أحد يقبل منه شكواه ، ليس حوله أحد يبُثه ما في قلبه والعرب تقول :
 ولآبد من شكوى إلى ذي مرؤة ** يواسيك أو يُسليك أو يتضجر
 لكن أبناؤه لا يعينونه على هذا قال الله -جل وعلا- (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) ثم قال كلمة هي مَعْقِد السورة كلها قال (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ) في الخبر المعروف (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) رَدَّهم مرة أُخرى إلى أرض مصر. أضطروا للإجابة فرجعوا ، دخلوا على يوسف كما قال الله (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) فاعل والأهل والنون مفعول به أي مس الضرُ نحن وأهلنا (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ) يعني مدفوعة لا يقبلها أحد وقيل مخلوطة (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) أولاد نبي يعرفون كيف يُخاطبون الناس.
(قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ) ما كان في قلبهم من شكوك انجلى (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) أول ما تكلم نسبة النعمة إلى صاحبها قال (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) ثم بَيَّن سبيلين لا يمكن لأحد أن يرتقي مرتقاً دينياً إلا بهما وإلا والله كمن يبني قصراً على رمال قال (إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) التقوى والصبر. جُلْكم طُلاب علم، وربما يسمعني خلف الشاشة طلاب علم الإمامة في الدين لا تُنال إلا بالصبر واليقين (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) أمَّا من يطلب الإمامة في الدنيا فلها طرائق عديدة، التجارة لها طريق والمُلك له طريق ، والإدارة لها طريق، وطُرق شتى أمَّا الإمامة في الدين وهي أشرف شيء ، وراثة الأنبياء لا تُنال إلا كما قال هذا العبد الصالح والنبي المبارك قال (إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أصابهم الندم كما سيأتي في الموقف الثالث إن شاء الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق