الاثنين، 21 فبراير 2011

تخريج الأخبار الواردة في نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا



تخريج الأخبار الواردة في نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا هو بحث أعده الد/ عبد الله بن علي الميموني المطيري

يقول مُعد هذا البحث : اشتملت هذه الرسالة على تخريج الآثار عن ابن عباس رضي الله عنه وعمن قال بمثل قوله في معنى الآية كسعيد بن جبير و عكرمة والشعبي في رواية صحيحة عنه والسدي و ابن زيد والربيع بن أنس .
مع بيان كلام العلماء في معنى الآيات المتعلقة بذلك ثم الإشارة لبعض ما استنبطوه اجتهادا في الحكمة في ذلك । و بيان أمور تتعلق بمسألة نزول القرآن جملة و منها تخريج الحديث الوارد في المسند للإمام أحمد وغيره عن واثلة بن الأسقع رضي الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : (نزلت صُحُف إبراهيم أَوّلَ ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراةُ لست مَضَين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان)
لأن كثيراً من المفسّرين وغيرهم استدلوا به على تقوية الخبر المذكور عن ابن عباس في نزول القرآن جملة وكان من دواعي ذلك ما سمعته من بعض أهل العلم في رمضان هذا العام عام 1428هـ من إنكار صحة الخبر المذكور عن ابن عباس رضي الله عنه و الإنكار على من قال به و غير ذلك مما لا داعي لذكره . فأشار علي بعض أهل العلم بكتابة بحث في هذا في آخر شهر رمضان المبارك من هذا العام فكان هذا البحث الوجيز.



مما جاء في البحث :

فصل :
وكل محذورٍ يُدّعَى على هذا القول المشهور عند السلف و العلماء فليس بصحيح لأن أهل السنة والاتباع يؤمنون أنّ جبريل عليه السلام تلقّاه من الله تعالى وحياً سمعه من رب الأرباب و نؤمن بحمد الله بذلك و نصدّق أيضاً أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك مفرقًا بحسب الحوادث وكذلك نؤمن أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21،22 ] وقال تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 77، 87 ] ، وقال تعالى : { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11ـ 16 ] وقال تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف : 4 ] ولا تنافي بين ذلك فإذا كان مشكلا علينا أن نتخيل إنزاله مجموعاً إلى بيت العزة قبل وقوع أسباب تنزّله البشرية من وقعة أحد و ما فيها أو سماع محاورة المجادلة لزوجها أو قصة زينب أو غير ذلك فكذلك يمكن أن نستشكِل كونه مكتوباً في الذكر الحكيم قبل وقوع تلك الأحداث و الوقائع التي بسببها نزلت الآيات و إنما ينفع في مثل هذا التسليم للنصوص والأخبار الصحيحة ما لم يعارضها ما خبر هو أصح منها ، فإن قدرة ربنا تعالى مما نعجز عن إدراكه وهذا كما نقول في المشكل من مسائل القدر فنقطع أن الله تعالى لم يظلم أحداً فالنصوص قد دلت على ذلك بكثرة و دلت على أنه تعالى يجازي كلاّ بعمله و يعفو تفضلا إذا شاء وأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل و هم يسألون وأنّ له الأمر كلَّه وهو تعالى يختار ما يشاء بحكمة بالغة تقصر دونها الأفهام وتحار فيها العقول كما قال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ( القصص: آية :68) ।

و نعلم أن العلم قد أحاط بأهل الجنة قبل خلقهم وبأهل النار قبل خلقهم فسيعودون جميعا إلى سابق علمه و تقديره تعالى كما قال : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) قال أبو العالية: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } رُدُّوا إلى علمه فيهم।يعني إلى سابق علمه و هذا على أحدِ الأقوال في معنى الآية. و المقصود أن التسليم و الإيمان والخضوع هو المنجاة للمسلم مما يشكل عليه من ذلك مما صحت به الأخبار فالقدر سر الله أخفاه عن عباده و بين لهم أنه لا يظلمهم كما قال سليمان التيمي التابعي -فيما صح عنه- لو كشف الحجاب لعلمت القدرية أن الله لم يظلم أحداً. رواه الفريابي في القدر و غيره . وذكر ابن عبد البر في التمهيد قول وهب بن منبه : ( نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس به أنطقهم فيه)اهـ. 6/ 67

و للإمام البيهقي كلام حسن حول دفع بعض الاستشكالات في الخبر فإنه قال: " وقوله عز وجل : {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} فأخبر أن القرآن كان في اللوح المحفوظ يريد مكتوبا فيه ، وذلك قبل الحاجة إليه ، وفيه ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ، والخبر والاستخبار" اهـ .
ثم قال أيضا " وقوله تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر} يريد به- والله أعلم- إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل)اهـ. الأسماء والصفات: 1/ 561


هنا فائدة ذكرها مُعد البحث :

من القائلين بقول ابن عباس أن القرآن نزل جملة إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقا بحسب الوقاع شيخ الإسلام ابن تيمية و من القائلين بذلك في العصر الحاضر الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية في عصره في رسالته التي نقد بها القول الذي ذكره السيوطي في الإتقان من أن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ولم يسمعه من الله.وجاء به إلى محمد صلى الله عليه و سلم ومما جاء فيها رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم :

(
أَما بعد : فقد سأَلني من تعينت إجابته عن ما وقع في ((كتاب الاتقان للسيوطي)) في بحث كيفية إنزال القرآن الكريم حاكيًا له في جملة أَقوال من غير رد له ولا إنكار من أَن جبريل عليه السلام أَخذه من اللوح المحفوظ وجاءَ به إلى محمد : هل هذا من أَقوال أَهل السنة والجماعة، ومما ثبت عن سلف هذه الأُمة وأَئمتها، أَو هو من أَقوال أَهل البدع، وما حقيقة ذلك، وأَي شيء ترجع إليه هذه المقالة. فأقول ومن الله أَستمد الصواب، وهو حسبي ونعم الوكيل:
هذه ((المقالة)) اغتر بها كثير من الجهلة وراجت عليهم. والسيوطي مع طول باعه وسعة اطلاعه وكثرة مؤلفاته ليس ممن يعتمد عليه في مثل هذه الأصول العظيمة. وهذه ((المقالة)) مبنية على أَصل فاسد، وهو القول بخلق القرآن، وهذه هي مقالة الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم. وهذه المقالة الخاطئة حقيقتها إنكار أَن يكون الله متكلمًا حقيقة ...)اهـ.
ثم ذكر في الرسالة بعد ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمة مُقرا بما فيه ونصه :
(وهذا لا ينافي ما جاءَ عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أنه أَنزله إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أَنزله بعد ذلك منجمًا مفرقًا بحسب الحوادث। ولا ينافي أَنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية وقال (إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) الآية (261) وقال (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) الآية (262) . وكونه مكتوبًا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أَن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أَن يرسل به جبريل وغير ذلك، وإذا كان قد أَنزله مكتوبًا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أَن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما لا يكون أَن لو كان كيف كان ) اهـ।

ينظر: رسالة الشيخ الجواب الواضح المستقيم في التحقيق في كيفية إنزال القرآن الكريم . موجودة ضمن فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم.


وإنما أوضحت هذا لئلا يتوهم أحد أن الشيخ ابن إبراهيم ينكر القول المروي عن ابن عباس و غيره من السلف.


لتحميل البحث من هنا :




سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى - : ينسب إليكم أنكم ضعفتم قول ابن عباس - رضي الله عنهما - بأن القرآن أنزله الله في رمضان جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، فهل هذا صحيح ؟ وهل من دليل على خلافه ؟

فأجاب بقوله : ( نعم ، الأدلة على خلافه أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد ، والدليل على أنه يتكلم به حين إنزاله أنه يتكلم سبحانه وتعالى عن حوادث وقعت مثل قوله تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ا؟لْمُؤْمِنِيـنَ مَقَــ!ــعِدَ لِلْقِتَالِ}[ آل عمران : 121 ] و إذ ظرف لما مضى يتحدث الله عزوجل عن شيء مضى من الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقوله : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَــــدِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [ المجادلة : 1 ] هل يصح أن يقال : قد سمع بشيء لم يخلق صاحبه بعد ؟ لايكون سمعٌ إلاَّ بعد صوت ، وهذا يدل على أن الله تكلم بهذه الآية بعد أن تكلمت التي تجادل ، { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] لقد سمع ، واللام مؤكدة ، وقد مؤكدة ، والقسم المحذوف مؤكد أنه سمع قول الذين قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، فتكون هذه الآية نزلت بعد قولهم ، وأمثال ذلك من السياقات الدالة على أن الله تعالى تكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد .
فهذا هو الذي يجعلني أشك في صحة الحديث المروي عن ابن عباس وعن أبيه أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا في بيت العزة ، وهذا يحتاج إلى أحاديث صحيحة لانشك فيها حتى نضطر إلى تأويل الآيات التي تدل على أن القرآن نزل بعد حدوث الحوادث التي يتكلم الله عنها )
من كتاب اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رقم [3] ص 30 ، 31 ।

هذا والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : ملتقى أهل التفسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق