الأحد، 3 نوفمبر 2024

الدرس الثامن عشر/ من قوله: العليم الخبير وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن

من قوله: العليم الخبير وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن

                                                             
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "العليم الخبير هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء."
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: 
فإن من أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى (العليم) وهذا الاسم تكرر في كتاب الله جل وعلا في مواطن كثيرة، أكثر من مئة وخمسين مرة يذكر جل وعلا في كتابه هذا الاسم ، منها قول الله عز وجل (وكفى بالله عليما)، وقوله (ذلك تقدير العزيز العليم)، وقوله (إن الله سميع عليم)، قوله (إن الله عليم حكيم)، وقوله (يخلق ما يشاء وهو العليم القدير)، فذكر جل وعلا هذا الاسم العظيم في مواطن كثيرة من كتابه جل وعلا، وفيه إثبات صفة العلم، العلم الكامل المحيط الذي وسع كل شيء (وسع كل شيء رحمة وعلما) علم كامل لا يلحقه أي نقص، علم الإنسان مسبوق بجهل (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) ويلحقه النسيان وهو علم قاصر (وما أوتيت من العلم إلا قليلا)، أما علم الله سبحانه وتعالى فهو علم محيط وعلم كامل لا نقص فيه، وعلم وسع كل شيء، فهو سبحانه وتعالى أحاط علما بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، وبالعالم السفلي والعالم العلوي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، علِم ما كان، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون، فأحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. قال الشيخ رحمه الله "العليم الخبير هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء". 
واسم الله تبارك وتعالى (الخبير) تكرر أيضا في مواطن من كتاب الله سبحانه وتعالى كقوله (لا تدركه الأبصار ويدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)، وكذلك قوله (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير)، وقوله (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير)، فتكرر هذا الإسم في مواطن من كتاب الله. و(الخبير) يدل هذا الاسم على إطلاع الله عز وجل وعلمه بالبواطن، وخفايا الأمور ودقائق الأشياء، كعلمه بعلانيتها وظاهرها. ففيه شمول العلم وإحاطته حتى للدقائق، وخفايا الأمور. نعم.

📖 قال رحمه الله "الحكيم وهو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي أحسن كل شيء خلقه، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، فلا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع شيئا سدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة، لا يشاركه فيها مشارك فيحكم بين عباده في شرعه، وفي قدره وجزائه، والحكمة وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها".
🎤 وهذا الاسم من أسماء الله الحسنى (الحكيم)، وقد تكرر هذا الاسم في هذا الاسم، تكرر في القرآن فيما يقرب من مئة مرة كقوله في خواتيم الآيات (وهو الحكيم الخبير)، (وهو الحكيم العليم) و(العزيز الحكيم) (والله عليم حكيم) (وكان الله واسعا حكيما)، يأتي كثيرا في خواتيم الآيات ويدل على ثبوت كمال الحكم وكمال الحكمة. كمال الحكم: وهذا يتناول الأحكام الثلاثة -كما أشار الشيخ رحمه الله-:
 ● الحكم القدري الكوني (لا معقب لحكمه)
 ● والحكم الشرعي الديني (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه)
 ● ويشمل الحكم الجزائي الثواب والعقاب، هذا حكم.
 فهذه الأحكام الثلاثة كلها عائدة إلى هذا الاسم.
 (الحكيم) يدل على الحكم بأنواعه الثلاثة القدري والشرعي، والجزائي. ويدل أيضا على الحكمة، فالحكم يدل على الحكيم، يدل على الحكم، ويدل على الحكمة التي إنزال الأمور منازلها، ووضع الأشياء مواضعها. نعم.

📖 قال رحمه الله: "الرحمن الرحيم، البر الكريم، الجواد الرؤوف الوهاب، هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر، والجود والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود، بحسب ما تقتضيه حكمته، وخصّ المؤمنين منها بالنصيب الأوفر، والحض الأكمل، قال تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) الآية، والنعم والإحسان كله من آثار رحمته، وجوده وكرمه، وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته."
🎤 قال رحمه الله تعالى "الرحمن الرحيم البر الكريم، الجواد، الرؤوف الوهاب" هذه الآن جملة من الأسماء الحسنى لله، سبعة أسماء جمعها في هذا الموطن وقال رحمه الله تعالى أن معانيها متقاربة من حيث أنها كلها تدل على اتصاف الرب جل وعلا بالرحمة والبر والجود والكرم، وعلى سعة الرحمة وسعة المواهب التي عم بها جميع الوجود، وخصّ بها المؤمنين فجعل لهم منها النصيب الأوفر، والحظ الأكمل، كما قال الله تعالى (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون).
 (الرحمان الرحيم) هذان الإسمان، الجليلان كثُر ورودهما في القرآن في مواطن عديدة، فالرحمن في مثل قوله (الرحمن على العرش استوى)، وقوله (ثم استوى على العرش الرحمن)، (إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن)، (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن)، وقوله عز وجل (الرحمن علم القرآن). واسم الرحيم، اسم الله جل وعلا الرحيم غالب مجيئه إما مقيدا كقوله (وكان بالمؤمنين رحيما)، أو مقرونا باسم الرحمن مثل اقترانهما في البسملة وفاتحة الكتاب، أو مقرونا باسم آخر مثل العزيز الرحيم، والغفور الرحيم، والبر الرحيم، والتواب الرحيم. وهما إسمان يدلان على ثبوت كمال الرحمة، كمال رحمة الله سبحانه وتعالى، يقول ابن القيم رحمه الله في بيان دلالة هذين الاسمين قال: "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف الذي هو والرحمن، والثاني للفعل. فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال أنه يرحم خلقه برحمته"، قال "وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله سبحانه وتعالى (وكان بالمؤمنين رحيما) (إنه بهم رؤوف رحيم) ولم تجئ قط رحمان بهم، فعُلم أن الرحمن أي الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته، أي أن الأول يدل على الوصف، والثاني يدل على الفعل".
اسم الله تبارك وتعالى البر، ومر معنا في مثل قوله سبحانه وتعالى (البر الرحيم) واسمه البر يدل على كمال جوده وبره وإحسانه، وسعة عطاياه ومننه سبحانه وتعالى.
واسمه تبارك وتعالى الكريم هذا ورد في ثلاث مواطن من كتاب الله عز وجل، في سورة لقمان قول الله جل وعلا (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)، وأيضا في قوله عز وجل (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)، وأيضا في قوله (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريمُ) على قراءة من قرأ برفع الكريم على أنه صفة للرب سبحانه وتعالى.
واسم الله جل وعلا الجواد، هذا لم يأتِ في القرآن لكن جاء في بعض الأحاديث التي تروى عن نبينا عليه الصلاة والسلام مثل حديث أبي ذر، الحديث القدسي الذي أوله (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته..) في آخره عند الترمذي وابن ماجة قال: (ذلك بأني جواد ماجد أفعل ما أريد)، وكذلك ورد في حديث أنس (إن الله جواد كريم يستحي من العبد) لكنه لم يأت هذا الإسم في القرآن الكريم.
 واسم الله جل وعلا الرؤوف، ورد في عشر آيات من القرآن، والرأفة كما يقول الحافظ بن جرير رحمه الله - أعلى معاني الرحمة، أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة. وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا، ولبعضهم في الآخرة وهم أولياؤه المؤمنون وعباده المتقون، يقول الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم)، قال جل وعلا (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد).
واسم الله تبارك وتعالى الوهاب تكرر في القرآن في ثلاث مواطن قوله (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)، وقوله (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب)، وقوله (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) والوهاب كثير الهبة، الوهاب كثير الهبة والمن والعطاء، يهب لمن يشاء، الوهاب هوكثير الهبة كثير المن، كثير العطاء سبحانه وتعالى. نعم.

📖 قال رحمه الله: "السميع لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات"
🎤 السميع قال لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات". هذا الاسم من أسماء الله الحسنى ورد في القرآن الكريم فيما يقرب من الخمسين موضعا من كتاب الله منها قول الله جل وعلا (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير)، وقال جل وعلا (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، قال جل وعلا (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) فتكرر في مواطن عديدة من كتاب الله جل وعلا.
 السميع أي بسمع يسمع به تبارك وتعالى جميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فهو جل وعلا سمعه واسع، مثل ما قالت عائشة في قصة المجادلة، قالت رضي الله عنها: "سبحان الذي وسع سمعه الأصوات" تقول أنا قريبة منها ما أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه وسمع الله صوتها من فوق سبع سماوات سبحانه وتعالى. ولو أن الخلق أجمعين أو الإنس والجن أجمعين قاموا كلهم من أولهم إلى آخرهم في صعيد واحد وسألوا الله، كل يسأل حاجته، وكل يتكلم بلهجته ولغته، وكل يذكر رغبته وطلبته وحاجته لسمعهم تبارك وتعالى دون أن يختلط عليه صوت بصوت، أو لغة، بلغة، أو حاجة بحاجة، وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها (وسع سمعه الأصوات) لو أن العالمين كلهم تكلموا في لحظة واحدة، في ساعة واحدة، كل بلغته، كل بحاجته، كل بمطلوبه لسمعهم تبارك وتعالى أجمعين، نعم.

📖 قال رحمه الله "البصير الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغُر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأراضين السبعة، كما يبصر ما فوق السماوات السبعة، وأيضا سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة."
🎤 ثم هذا الاسم من أسماء الله الحسنى: البصير، وأيضا تكرر في القرآن في أكثر من أربعين موضعا كقوله تبارك وتعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقوله (إن الله كان سميعا بصيرا)، وقوله (والله بصير بالعباد)، قوله (إن الله بكل شيء بصير)، وقوله (إنه بعباده خبير بصير)، وقوله (كفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) تكرر هذا الاسم في مواطن من كتاب الله جل وعلا، والمعنى -كما قال الشيخ- يبصر كل شيء، البصير أي: يبصر تبارك وتعالى كل شيء، وإن دق وصغُر، وضرب مثال على ذلك قال: "يبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء" هذه الآن صورة ومثال لدقة الشيء وخفائه، يعني هذه الصورة تدل على دقة الشيء وخفائه، أنت أيها الإنسان لو كنت حاد البصر لن تراها وأنت قريب منها، بصرك قريب منها، ليلة ظلماء، وصخرة سوداء صماء، ونملة صغيرة سوداء تمشي على هذه الصخرة ما تراها ولو كنت حاد البصر، ورب العالمين جل شأنه يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يبصرها كما يبصر السموات والأرض وما فوق السماوات وما فوق الأرض، فالشاهد أنه بصير ببصر، مطلع على كل شيء جل في علاه.
 وأيضاً بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، (والله بصير بالعباد) يعني مطلع عليهم وعلى أعمالهم، وبصير بمن يستحق الإثابة ومن يستحق العقوبة، (والله بما تعملون بصير) هذا فيه هذا المعنى، نعم.

📖 قال رحمه الله: "الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمها وأحسنها، فإن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل والعدل."
🎤 ثم ذكر رحمه الله تعالى هذا الاسم من أسماء الله الحسنى قال: الحميد. وهذا الاسم تكرر في القرآن فيما يقرب من العشرين مرة منها قول الله عز وجل (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)، وقال جل وعلا (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) قال (وأعلموا أن الله غني حميد)، وقال (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد)، وقوله (واعلموا أن الله غني حميد) لها نظائر يقول: (واعلموا) جل وعلا ثم يذكر شيء من أسمائه، وهذا أمر من الله لعباده أن يعرفوا أسماءه، وأن يتعلموا معانيها وهداياتها، قال: (واعلموا أن الله غني حميد)، هذا أمر بأن نعلم هذين الاسمين، وايضاً ما دل عليهم من المعنى، وثبوت صفات الكمال لله جل وعلا. والحميد يدل على ثبوت الحمد لله جل على في ذاته، حميد في ذاته، وحميد في أسماء وصفاته وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أتمها وأحسنها، وأن أفعاله جل وعلا كلها دائرة بين الفضل والعدل . نعم 

📖 قال رحمه الله: "المجيد الكبير العظيم الجليل وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى، وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه."

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما….. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق