د. عبد الرحمن بن صالح المحمود
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
درسنا هذه الليلة بعنوان: ( وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)، وهذا الجزء من الآية ضمن سياق معروف في قصة سليمان ابن نبي الله داود عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وقصص هؤلاء الأنبياء فيها عِبر وعظات وإن كان تاريخ بعض هؤلاء الأنبياء مما قد لا يتكرر كما في مُلك سليمان (وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ومنه هذه القصة التي سنتحدث عنها ونقف معها بعض الوقفات وهي قصة : الطير ومنطق الطير وقصة الهدهد . فهل في ذلك عِبر وعظات ودروس لنا ولأمة الإسلام من هذه القصص التي هي حق (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) القصص الحق من عند رب العالمين في كتابه الكريم لاشك أن العِبر والدروس كثيرة ، فتعالوا بنا نقف جزءا من الوقفة وإلا فسياق قصة داود ، وسياق قصة سليمان وأحداثها طويل ، ونحن إنما نقف مع ما حددناه تقريبا في درس هذه الليلة (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ*إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) يقول الله - عز وجل - في سياق هذه الآيات ،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
درسنا هذه الليلة بعنوان: ( وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)، وهذا الجزء من الآية ضمن سياق معروف في قصة سليمان ابن نبي الله داود عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وقصص هؤلاء الأنبياء فيها عِبر وعظات وإن كان تاريخ بعض هؤلاء الأنبياء مما قد لا يتكرر كما في مُلك سليمان (وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ومنه هذه القصة التي سنتحدث عنها ونقف معها بعض الوقفات وهي قصة : الطير ومنطق الطير وقصة الهدهد . فهل في ذلك عِبر وعظات ودروس لنا ولأمة الإسلام من هذه القصص التي هي حق (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) القصص الحق من عند رب العالمين في كتابه الكريم لاشك أن العِبر والدروس كثيرة ، فتعالوا بنا نقف جزءا من الوقفة وإلا فسياق قصة داود ، وسياق قصة سليمان وأحداثها طويل ، ونحن إنما نقف مع ما حددناه تقريبا في درس هذه الليلة (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ*إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) يقول الله - عز وجل - في سياق هذه الآيات ،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ*فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ*إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ*أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ*اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ*قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)... الخ الآيات .
لماذا تفقّد الطير ؟ روى مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره أنه قال " كان الهدهد مهندسا يدل سليمان - عليه السلام - على الماء إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخُّوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض ويعرف كم مساحة بُعده من وجه الأرض ، فإذا دلّهم عليه أمر سليمان الجانّ فحفروا له ذلك المكان حتى يستنبط الماء من قراره " .
هذا كان حال الهدهد وسليمان ، كان مهندسا وكان يحتاج إليه سليمان لأجل الماء إذا كان بأرض فلاة . قال ابن عباس " فنزل سليمان - عليه السلام - يوما فلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره فقال (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) .." الخ الآيات. هذا هو سبب هذه القصة ، قصة الهدهد ولماذا طلبه سليمان وتفقده ، لكن دعونا ننتقل نُقلة أخرى إلى جانب آخر من هذه القضية من زاوية أخرى ثم نرجع إلى الأصل .
يقول الإمام ابن كثير بعد أن ذكر الرواية السابقة " حدّث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج يُقال له نافع بن الأزرق وكان كثير الاعتراض على ابن عباس فقال له - أي نافع بن الأزرق قال لابن عباس - لما حدث بقصة الهدهد وأنه مهندس وأنه يرى الماء في تخوم الأرض ، قال له : قف با ابن عباس غُلبت اليوم ، قال : ولِمَ ؟ قال : إنك تُخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده " تقول يرى ما تحت الماء ولا يرى الحبة التي هي على وجه الأرض . فقال ابن عباس " لولا أن يذهب هذا فيقول رددت لى ابن عباس لما أجبته " هكذا يقول ، ثم قال له " ويحك إنه إذا نزل القدر عمي البصر وذهب الحذر " فقال له نافع : والله لا أجادلك في شيء من القرآن أبدا . نافع بن الأزرق هذا من الخوارج وهو صاحب المسائل لابن عباس في غريب القرآن وهي مسائل شهورة ومطبوعة ، وقد جاء في موضع آخر أنه لما سأل ابن عباس قال ابن عباس : "إنني أخاف أن يُقال إنه يُكاتب أهل البدع ولولا الخوف من كتمان العلم لما أجبته " أو كما قال رضي الله عنه .
هذه القصة لابن عباس مع نافع بن الأزرق فيها ثلاثة دروس :
أحدها : ابن عباس له تاريخ مع أهل البدع وعلى رأسهم الخوارج ، فهو الذي ناظرهم وكشف شُبهاتهم في بداية خروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعلى الأمة ، ومناظرته رواها الحاكم وغيره وهي معلومة ، وهي مناظرة دقيقة تكشف شبهات أولئك في ذلك الزمن .
الأمر الثاني : ابن عباس لا يكتم العِلم ، وهذا باب عظيم ينبغي للعلماء والدعاة أن يدركوا أهميته وعظيم أمره وأثره وخطره ، فعلى العلماء أن يقولوا الحق ولا يكتموه ويُبينوه للناس على كافة الأحوال وقد أخذ الله العهد والميثاق عليهم في هذا . ونقول أيضا في زمننا هذا زمن التقنيات العديدة فإن مسؤولية الأمة في نشر العلم والإيمان والتوحيد والدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - هذه المسؤولية كبيرة وهي مُلقاة على كل قادر منا والآن قليل منا من لا يقدر على إيصال العلم . وإذا كان العالم تحول من جهة الإعلام إلى شبكة فهذه فرصة للمؤمنين الموحدين أن ينشروا دين الله - عز وجل - أن يكونوا من المسارعين لنشر هذا العلم .
الأمر الثاني : ابن عباس لا يكتم العِلم ، وهذا باب عظيم ينبغي للعلماء والدعاة أن يدركوا أهميته وعظيم أمره وأثره وخطره ، فعلى العلماء أن يقولوا الحق ولا يكتموه ويُبينوه للناس على كافة الأحوال وقد أخذ الله العهد والميثاق عليهم في هذا . ونقول أيضا في زمننا هذا زمن التقنيات العديدة فإن مسؤولية الأمة في نشر العلم والإيمان والتوحيد والدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - هذه المسؤولية كبيرة وهي مُلقاة على كل قادر منا والآن قليل منا من لا يقدر على إيصال العلم . وإذا كان العالم تحول من جهة الإعلام إلى شبكة فهذه فرصة للمؤمنين الموحدين أن ينشروا دين الله - عز وجل - أن يكونوا من المسارعين لنشر هذا العلم .
الدرس الثالث في هذه القصة درس في القدر ، وهو درس مهم فمهما كانت قوة الشخص أو الدولة أو الجيش أو غيره فينبغي أن يعلموا أن قدر الله يجري فيهم مهما كانت قوتهم ، ومهما كانت أُهبتهم ، ومهما كان حذرهم فلا يغتر المغتر بقوته وليعلم أن قَدَر الله - عز وجل - جارٍ عليهم . بعض الناس يُستدرج بقوته ونشاطه أو سلطانه ، قد يكون مسؤولا أو يتحكم في رقاب الناس أو بعضهم فعليه أن يعلم أن هذا ليس له أمناً ولن يكون له مأمنا لأن أمر الله وقدر الله إذا جاء فلابد أن يتم مهما كان حاله وحذره.
الدرس الثاني : على العبد أن يؤمن بالقَدَر وأن يرضى ويُسلِّم مع فعل الأسباب فما أصاب العبد لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فالإيمان بالقدر رضا وعلاج لكثير من المشاكل النفسية والتربوية وغيرها .
الثالث : ألاّ يغتر الإنسان بصحته وماله وجاهه خاصة حين يظلم الآخرين فإن أمر الله وقدره إذا جاء لا يرده أحد ، وهذا أمر ينبغي أن يتعظ به كل إنسان والظلم درجات فنسأل الله السلامة والعافية وأن يقينا من ذلك .
قصة سليمان ، نعود إلى أصل القصة : سليمان نبي الله ، ملِك من كبار الملوك لكن على منهاج نبوة ، قصته مع فرد من أفراده ، بل فرد ليس من بني الإنسان تحولت إلى قصة قائد ورعية ، أمير ومأمور ، فكيف جرت هذه القصة بينهما ؟ وماهي العِبر والدروس التي يمكن أن نقف معها ؟
أولا : سليمان - عليه الصلاة والسلام - يتفقد رعيته كلها حتى الحيوانات والطير فضلا عن البشر (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) وهذا جنس عام يشمل الطيور كلها والطيور أنواع كثيرة لا يُحصيها إلا الله - سبحانه وتعالى - ، تفقّد جنسا من أجناس رعيته ثم مع هذا التفقّد لجنس من أجناس رعيته ينتقل إلى التفاصيل داخل هذه الأجناس وهي فئة الهدهد ، ثم ينتقل إلى فرد من أفراد هذا النوع من الطير ، فانظروا إلى هذه المملكة الكبرى لنبيّ الله - عز وجل - كيف لم تُشغله عبادة ولا طاعة عن أن يقوم بأمر رعيته (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وسواء قلنا إن هذا الهدهد زعيم أو طير خاص أو أنه فرد من أفرادها ، وسياق الآية لا يدل لا على هذا ولا على هذا فإنه يدل على الأمر العظيم وهو أن نبي الله - عليه الصلاة والسلام - كان قائما بشؤون رعيته ، يتفقّدهم ويعرف أحوالهم جميعا .
ومن هنا أعجبني بعض المفسرين لما تكلم عن هذه الآية إذا به يُورد مثالا في تاريخ المسلمين وهو ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تفقّده لرعيته حتى قال "لو عثرت بغلة في العراق لسُئل عنها عمر لِمَ لم تسوي لها الطريق" ، وهكذا تتكامل الحقائق الإيمانية لا أقول لِزُهاد مشغولين بزهدهم ، ولا لِعُباد مشغولين بعبادتهم ، ولا لتُجار مشغولين في جزء من الحياة بتجارتهم ، إنما لملوك وسادة ملكوا فحكموا فعدلوا فرأيت منهم هذه الأعاجيب كيف يتفقدون ويعرفون أحوال رعيتهم .
هذا هو منهاج الإسلام ، وهذا الذي نتعلّمه من تاريخ هذه الأمة سواء كان تاريخ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أو تاريخ نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتمهم ، أو تاريخ الأمة الإسلامية بنماذجها العجيبة .
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - كان يحكم بدون مواصلات ، في عهده بدؤا بنظرية البريد وكان هذا موجود قبل لكن ما هو البريد الذي يريد أن يوصل في زمنه الرسالة بأسرع ما يمكن ، هذا البريد على طريقة غريبة جدا ، مراكز ، كل مركز فيه قوة من الخيل ، وهذا المركز تصل فيه الرسالة فينطلقون إلى المركز الآخر ، والمركز الآخر .....، وكان - رضي الله عنه وأرضاه - يُدير جيوش المسلمين في العراق وفي بلاد الشام وفي مصر وهو في المدينة النبوية . هذه نماذج لتاريخ الإسلام تُبين أن الإيمان والتقوى والتربية الحقيقية الصحيحة ، العلم الشرعي المؤصل والأخذ بالأسباب الشرعية والمادية تُنشئ أمة يعيش فيها أفرادها على خير وسلام ورخاء لا تُحققه دعاوى الديموقراطية الزائفة التي يلهث وراءها بعض المسلمين للأسف الشديد . أتظنون أن مجرد الديموقراطية تُحقق العدل والرخاء ، لا ، شخص مهما كان ديموقراطيا ليس فيه إيمان ولا تقوى ولا مراقبة للواحد الديّان لا يمكن أن يقود الأمة إلى الرخاء .
الدرس الثاني : سليمان عليه السلام حازم مع رعيته عند مخالفة الأوامر فبمقدار ما فيه من رعاية وتفقّد ..الخ إلا أنه في نفس اللحظة حازم ( مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لكنه لا يستعجل لا في الحُكم ولا في العقوبة ، انظر مدرسة الحُكم (لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) انظر إلى هذه الأمور الثلاثة : أولا قال (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) وقف المفسرون مع قوله سليمان يُخاطب نفسه ( مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) لماذا أنا لا أراه ؟ ولهذا قالوا : لم يقل أين الهدهد ؟ أين غاب عني ؟ قال مالي أنا لا أرى الهدهد أي أنه احتمال أن الأمر يرجع إليّ أنا ، أنا الذي لا أراه لكن هو موجود ، انظر كيف يكون الخطاب بهذه الطريقة يتعامل فيها مع هذا في هذه القصة والقضية الخطيرة جدا (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ).
ثم يأتي بالعذر (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) غاب عني ، أنا لا أراه ، التهديد (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لكن يأتي العذر الثاني (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) فجمع بين القوة والحزم والعدل والإنصاف . وإذا ضربنا المثل - كما في الفقرة السابقة - بعمر وجدنا هذا الأمر ينطبق على هذا المثال ، عمر كان رقيقا رحيما برعيته لكنه كان صلبا ، قويا ، حازما ، وهكذا هم الرجال الذين تربوا على الإيمان .
إذا الأول (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) الثاني (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) الثالث : فيما بعد . (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا) وأعجب ما في كلام المفسرين في قوله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) ذكروا أنه ينتف ريشه ، وذكروا أشياء لكن من أعجب ما ذكروا أن بعضهم قال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا) بأن أضعه مع فئة من غير جنسه ، حين تضع الإنسان وتقول له لابد أن تعيش مع هؤلاء القوم من غير جنسك هذا عذاب ، فالرجل الصالح حين تضعه بين مفسدين هذا كأنه عذاب ، من غير جنسه ، من غير طبيعته وهذا يُفيدنا فائدة عظيمة جدا في مجال التربية الإسلامية وأنه لابد من المحيط الذي يضفي على القلب والنفس سعادة ورخاء وأمن واستقرار ، للأسف بإرادتنا ننقل الشاب المراهق أو البُنية المراهقة خريجة الثانوية إلى محيط من غير جنسها أو من غير جنسه ، وهناك إما يعيش الآلام إن رزقه الله الصبر والاحتساب وثبت ، أو
ثم يأتي بالعذر (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) غاب عني ، أنا لا أراه ، التهديد (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لكن يأتي العذر الثاني (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) فجمع بين القوة والحزم والعدل والإنصاف . وإذا ضربنا المثل - كما في الفقرة السابقة - بعمر وجدنا هذا الأمر ينطبق على هذا المثال ، عمر كان رقيقا رحيما برعيته لكنه كان صلبا ، قويا ، حازما ، وهكذا هم الرجال الذين تربوا على الإيمان .
إذا الأول (أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) الثاني (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) الثالث : فيما بعد . (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا) وأعجب ما في كلام المفسرين في قوله (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) ذكروا أنه ينتف ريشه ، وذكروا أشياء لكن من أعجب ما ذكروا أن بعضهم قال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا) بأن أضعه مع فئة من غير جنسه ، حين تضع الإنسان وتقول له لابد أن تعيش مع هؤلاء القوم من غير جنسك هذا عذاب ، فالرجل الصالح حين تضعه بين مفسدين هذا كأنه عذاب ، من غير جنسه ، من غير طبيعته وهذا يُفيدنا فائدة عظيمة جدا في مجال التربية الإسلامية وأنه لابد من المحيط الذي يضفي على القلب والنفس سعادة ورخاء وأمن واستقرار ، للأسف بإرادتنا ننقل الشاب المراهق أو البُنية المراهقة خريجة الثانوية إلى محيط من غير جنسها أو من غير جنسه ، وهناك إما يعيش الآلام إن رزقه الله الصبر والاحتساب وثبت ، أو
-والعياذ بالله- تنهار أخلاقه .
فلاحظوا هذا الدرس من سليمان مع غضبه وهذا التهديد إلا أنه الإنصاف والتأكد (لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) هل هو غائب ، سنتأكد من الأمر ، أنت أخبرتنا بخبر عظيم هل صدقت أم كذبت فأين هذا من الاتهام بالظنون والأوهام واتخاذ إجراءات العقاب أحيانا بلا دليل حقيقي . اتقوا الله يا عباد الله واتقوا الظلم يا عباد الله . في الحكم على الناس يا عباد إياك أن تأخذ بالظنون والاتهام وتغضب على هذا وتُعادي هذا بظنون من عندك ، اتق الله ، يا من ولاهم الله سلطة اتقوا الله - عز وجل - أن تأخذوا الناس بالظنون اتقوا الله ، اتقوا الظلم فالظلم ظلمات ، واحذروا من مكر الله كما ذكرنا في الدرس الماضي .
ثالثا : من الدروس ، سليمان - عليه الصلاة والسلام - آتاه الله النبوة والمُلك ، بل آتاه الله المُلك الخاص الذي لم يكن لأحد من بعده ، سخّر له الشياطين تعمل بأمره وتحت إمارته ، وسخّر له الريح تجري به رُخاء وتحمله حيث أصاب ، وعلّمه منطق الطير والحيوانات وقبل قصة الهدهد كانت قصة النملة . هذا الملِك الذي يحلُم به اليهود اليوم فهم يدعون إلى ملك داود وهيكل سليمان ، هذا النبي الملِك لا يرى نفسه إلا عبدا لله تعالى ، مُطيعا لأمره ليس له من الأمر شيء إلا ما آتاه الله وأعطاه من الحكمة والمُلك والتسخير ، فلا طُغيان ولا استكبار ولا دعاوى الكمال والدليل أن واحدا من أصغر رعيته ، بل من فئة الطير يقول لسليمان - آتاه الله الملك والنبوة - يقول له (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) تأملوا الخطاب من هذا الطير ، هدهد يُخاطب سليمان ، سليمان تجري الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، يستطيع أن يذهب إلى مشارق الأرض ومغاربها ، قوة في المُلك ، آتاه الله ، سخّر له الشياطين ومع ذلك يقول له طير من رعيته (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي اطّلعت على ما لم تطّلع عليه أنت ولا جنودك ومن جنوده الشياطين أيضا وأحاط بما لم يُحيطوا به جميعا . سليمان - عليه الصلاة والسلام - لا يعترض على الهدهد ، ولا يُهدد الهدهد بالويل والثبور على هذا الترفع والدعاوى وإنما يُقابل ذلك بالتسليم ، نعم أيها الهدهد قد تكون اطلعت على ما لم يطّلع عليه غيرك لكن أين دليلك ، فسليمان يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله وأنه مهما أوتي فعلمه قليل وإنما هو عبد لربه - سبحانه - علاّم الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية . ثم يُقابل هذا بالتعامل الإيجابي مع هذه المعلومة ، لو كان واحد من الناس لقال اسكت عندنا خبر يا فلان اذهب وانظر في الموضوع ، أليس كذلك .
أنت تقول من سبأ بنبأ يقين امسكوه ، اقبضوا عليه - ما عنده سالفة هذا - لكن هيا يا عفريت فلان بن فلان اذهب وانظر في الأمر وأنهِ لنا القضية حتى يبقى هو بأُبهته ومُلكه ،لا ، يتعامل معه لأنه عبد لله - سبحانه وتعالى - مُطيع ، خاضع ومن ثَمّ يُقابل هذه الإيجابية بالفرح بهذه المعلومة التي جهلها ولهذا ياتي سياق هذه القصة إلى آخرها أمرها عجيب ، بدأت من الهدهد الذي قال لسليمان (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) ، يقول بعض المفسرين المعاصرين : أيُعدّ قول الهدهد لسليمان (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) نقصا في سليمان؟ الجواب : لا ، إنما يُعد تكريما له لأن ربه - عز وجل- سخّر له من يخدمه وفرق بين أن تفعل أنت الشيء وبين أن يُفعل لك فهذه - أي الثانية - زيادة سيادة وعلو مكانة . أن تفعل هذا نت توفيق الله لك لكن أيضا أن يُفعل لك ويُقدم لك هذا أيضا من توفيق الله لك وهو مزيد سيادة ومُلك ونحو ذلك . ومن ثَمّ فهذا فيه درس عظيم : ألاّ نكتم مواهب التابعين لنا من الشعوب ومن غيرهم . ولهذا يقول : "كما أن الله تعالى يعلمنا ألاّ نكتم مواهب التابعين وأن نعطي لهم الفرصة ونفسح لهم المجال ليخرجوا مواهبهم وأن يقول كل ما عنده حتى لو لم نكن نعرفها لأنها خدمة لنا في النهاية" . ولهذا انظر للدرس بالنسبة لنبي الله سليمان هدهد عنده معلومة وهذه المعلومة وإن أتى بها هذا الطير تحولت إلى قضية كبرى ، قضية تاريخية كما سيأتي الإشارة إليه بعد قليل .
الدرس الرابع : الهدهد ذهب بدون إذن سليمان ، وهنا قضية تتعلق بالرئيس والمرؤس ، بالقائد والجُند والدليل على ذلك غضب سليمان غضبا شديدا وهدده بالعذاب (مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لكن ذهاب الهدهد بدون إذن يتعامل معه سليمان - عليه الصلاة والسلام - بطريقة أخرى تتعلق بالحجة والعذر ، هل له عذر في هذا أم ليس له عذر (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) أي بحجة وعذر بيّن واضح يبيّن فيه سبب غيابه ومقتضى هذا أنه قد يكون غيابه لعذر صحيح يُحمد عليه بل ويُكافؤ عليه . والدرس في هذا : أنه قد يجد بعض الأفراد ما فيه مصلحة للأمة وخير لها فيُبادر ومن ثم فالأمة الإيجابية هي أمة المبادرات وحين تحصل الفرصة يُبادر إليها ولا يفوتها ، وهذا نستفيده من قصة الهدهد أنه بادر وهذه المبادرة القصيرة - كما سيأتي - ترتب عليها أمر عظيم جدا ومهم ، لكن - وهذا هو الأمر الثاني - دون إخلال بالمصلحة العامة التي هي مقتضى الطاعة بين الرئيس ومرؤسه ، والدليل على عدم الإخلال بالنسبة للهدهد قوله تعالى عنه - أي عن الهدهد - (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي غاب زمانا يسيرا ، إذا هو لم يغب إلا وقتا يسيرا نفذّ فيه ما رأى أنه مصلحة ولم يكن سليمان - ليه السلام - على علم بهذه المصلحة .
الدرس الخامس : قول الهدهد لسليمان (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) سبأ هم حمير ملوك اليمن ، قوله (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) هذا فيه درسان : أحدهما أهمية العلم وأن سلطان العِلم شأنه عظيم في حياة الإنسان والأمم يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - في مفتاح دار السعادة : " إن سليمان لما توعّد الهدهد بأن يُعذبه عذابا شديدا أو يذبحه إنما نجا منه بالعِلم وأقدم عليه في خطابه بقوله أحطت بما لم تُحط به خبرا وهذا الخطاب إنما جرأه عليه العِلم وإلا فالهدهد مع ضعفه لا يتمكن من خطابه لسليمان مع قوته بمثل هذا الخطاب لولا سلطان العلم " . وفعلا الهدهد كان جريئا أتى لسليمان وهو يتوعّده فيقول له (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وهذا فيه درس عظيم وهو قوة سلطان العلم ، فلينتبه شبابنا ودعاتنا والأخيار فينا إلى أهمية سلطان العلم ، قوي في كل موقع ، في كل حاله ، لما تحتجّ بالعلم وخاصة حين يكون العِلم من الكتاب والسنة فهذه قوة وهذا سلطان لا يمكن أن يواجهه أحد ، وللأسف الشديد بدأ يضعف في نفوس بعضنا سلطان العلم من دلائل الكتاب والسنة وانشغلنا بسلطان الوسائل ، نعم الوسائل مفيدة ويُحتاج إليها لكن ليست هي الأصل إنما الأصل هو سلطان العلم ، ومن هنا فإن قوة الأمة بالعلم ، وحين نقول العلم نقول أساس العلم العلم الشرعي المبني على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم تاتي القوة المادية ، القوة العلمية التقنية المادية وهذه أيضا قوة مهمة أمر الله - عز وجل - بها وسلطانها عظيم ، والله - عز وجل - أنزل الحديد فيه بأس شديد فهل نعي قوة سلطان العلم بالحجة والبرهان؟! نوصي إخواننا في أي مناظرة مع مخالف منحرف ونحو ذلك أن يكون سلطانك وحُجتك بالدليل وهذا الذي قاله السلف - رحمهم الله تعالى - كانوا يرمون أهل الإلحاد وأهل البدع وأهل الضلالات وأهل الإنحرافات كانوا يرمونهم بشُهب الدلائل من الكتاب والسنة والآثار ، وهل هناك أعظم من سلطان هذا القرآن الكريم وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة ، ومن هنا في أي مناقشة أو محاججة أو مناظرة لما يقف ويقول الدليل خلاص تقف وتبدأ تفكر في دلالة الدليل ومدلوله لكن هو أولا أعطاك القوة ، يعني هذا السيف أمامك ، قوة فأنت تفكر كيف ترُد نفسك لكن هي قوة فقوة الدليل من الكتاب والسنة هي حُجة ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وكان السلف كلهم لما يواجهون الأعداء والكفار ونحو ذلك إنما يواجهوهم بقوة الدليل . وللأسف الشديد معنا هذه القوة العظيمة من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومعنا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصرنا نبحث عن قوى غيرها أخرى ، حتى في حواراتنا مع أهل الأديان وأهل البدع وهذه الحوارات فيها ما فيها وقد ذكرنا في دروس مضت حتى مع هذه لا نواجه للأسف الناس بدلائل الكتاب والسنة وإذا ما أتينا بالدليل أتينا به مجزوءا (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء) ونكتفي ، هذا هو عنوان الحوار ، (فويل للمصلين) وخلاص ، هذه شبيهه بتلك (سواء) يعني أي شيء نستوي فيه في الحقوق والواجبات ونتعاون كما قالوا نريد أن نتعاون على مواجهة الإلحاد ، العالم اليوم ليس فيه إلحاد الذي هو إنكار وجود الله ، فيه إلحاد الذي هو تحدي دين الله وشريعته أما إنكار وجود الله هذا لا يكاد يوجد في العالم ، وإلا يقولون تعالوا نتفق على الحفاظ على الأسرة ، وهل دمّر الأسرة إلا أنتم أيها التغريبيون ، العلمانيون!؟ وهل تدمير الأسرة إلا يُصدّر لنا من الغرب الصليبي ، لكن انظر مناظرات السلف والأئمة - رحمهم الله - وحواراتهم ، والحوار مع الكافر أو مع صاحب البدعة هذا أصل في دين الإسلام لأن الإسلام والدين كله حوار لكنه حوار يدعو الناس إلى التوحيد ، يدعو الناس إلى الخير ، يُبين الحق ، (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) أكمل الآية يا أخي (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وأحيانا يأخذ الآية ويحرفها عن معناها ، أنا سمعت أكثر من واحد يحتجّ بقوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) هذه الحرية (أَوْ إِيَّاكُمْ) نعم هي آية في كتاب الله (لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) يعني حرية الاعتقاد بينما الآية معناها ليس هو هذا المعنى لا من قبيل ولا من دبير ، الآية معناها (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) نحن وإياكم مختلفون إما على هدى نحن أو أنتم أو على ضلال نحن أو أنتم الآية فيها صدع بالحق ، وإنا أو إياكم لعلى هدى لاتظنوا إنه احتمال يكون الحق عندنا واحتمال يكون عندكم ، واحتمال الخطأ عندنا ، لا ليس هذا (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) ترى ما فيه شيء ثاني إما أن نكون نحن على الحق وأنتم على الباطل أو أنتم على الحق ونحن على الباطل ما فيه شيء إنه يكون هذا أو هذا ، فالآية فاصلة في هذا . فالله الله في سلطان العلم .
الدرس الثاني الذي أشرنا إليه في قول الهدهد (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) أهمية اليقين في نقل ما تنقله أو تُخبر عنه (مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وأهل البلاغة عن هذا الجناس الناقص (مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ) جناس فيه فارق بسيط لكن تكلموا عن إعجاز سياق هذه (مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) عجيب سياق هذه الآية فإذا نقلت فلتنقل ولتخبر بأشياء يقينية وهذه من أشد الأمور حرجا على القائل المدعي حين ينقل شيئا يظنه حقا ثم يظن أنه ليس كما نقله خاصة وأن هذا الأمر يحتاج إلى يقظة وفيه درس عظيم للجميع في زمن سرعة نقل الكلام وبلوغه الآفاق في لحظات ، ونقل الكلام سلاح ذو حدين ، حين يكون الخبر يقينيا يكون له تأثير ، وحين لا يكون كذلك ينقلب إلى ضده ولهذا ابن القيم - رحمه الله تعالى - في شفاء العليل يعلق على هذا فيقول " والنبأ هو الخبر الذي له شأن والنفوس متطلعة إلى معرفته ثم وصفه بأنه نبأ يقين لا شك فيه ولا ريب فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ استفرغت قلب المُخبر لتلقي الخبر وأوجبت له التشوف لسماعه ومعرفته وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج ثم الكشف عن حقيقة الخبر كشفا مؤكدا بأدلة التوكيد " (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) أكدها ، أنا وجدت وبيقين وليس كلاما ولا نقلا (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) فهو ينقل خبرا مؤكدا يقينيا . فنستفيد من هذا أن الإنسان إذا بنى علمه على دلائل الكتاب والسنة ، وبنى خبره على اليقين واتقى الله - عز وجل - في قوله وفعله فإنه يكون له تأثير عجيب وأي خلل في هذه الأصول فإنه يرتدّ على صاحبه .
الدرس السادس : يشير بعض المفسرين ومنهم الزمخشري إلى مسألة وهي مسألة الإعجاب ، عُجب الإنسان بنفسه فيقول معلقا " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان " طبعا الزمخشري أحد أئمة المعتزلة وتفسيره أحد تفاسير المعتزلة فلا يطلع عليه ولا يقرأ فيه إلا من هو ضليع بمذهب أهل البدع حتى لا يقع في البدعة وهو لا يدري لكنه هنا أفادنا فائدة ، " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أُتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ابتلاء له في عِلمه وتنبيها على أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يُحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر إليه علمه ويكون لُطفا له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء وأعظِم بها فتنة " . وهذا فيه درس كما أشرت ، انظر إلى سليمان ومن هو سليمان أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يبتليه وهذا الابتلاء فيه خير ونعمة كما هو معلوم في نهاية القصة وإسلامهم و إيمانهم ، لكن أن تاتي من أصغر مخلوقات الله ، من أصغر رعيته ، هذا فيه هذا التنبيه وكما هو معلوم الإنسان إذا أُعجب بعلمه فقد جهِل ، إذا أصابه الإعجاب بعلمه فاعلم أنه قد جهِل لأن هذا الإعجاب مرض يقضي على العلم الموجود ويصد عن العلم المطلوب ، وانظر مثلا إلى فتنة الدكتوراه - وأنا واحد من أهل الدكتوراه - خلاص إذا أخذ هذه الدال ظن أنه أعلم زمانه فانقطع عن العلم وجعل شهادة الدكتوراه نظارة ينظر بها إلى علوم الأولين والآخرين ، ما أخذه من علم قليل يظن أنه يعلم به كل شيء وهو قد لا يكون إلا علِم مسألة من فنٍ من باب من ... من ... الخ ، وسلامة الإنسان من الإعجاب بعلمه تفيده في تواضعه وفي حرصه على طلب العِلم وفي أخذه من الغير ، وفي عدم الاستكبار على الغير ولو كان تلميذا له أو عدوا له .
سابعا : من الدروس الهدهد - وهذا قدمناه على الدرس الذي يليه - الهدهد داعية إلى التوحيد ، أنا أتعجب من هذا الهدهد لاحظوا معي مالذي لفت انتباهه (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) وهذه سنُعلق عليها بعد قليل ، ثم هذه المرأة التي تملكهم أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ، الأمر الآخر الذي لفت انتباهه واستنكره في هذه المملكة الكبيرة في اليمن (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ*أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ) تقول بعض الروايات ولعلها إسرائلية إن بلقيس بنت بناء عظيما جعلت فيه ثلاثمائة وستون كوة في كل يوم تطلع الشمس من كوة لتعبد الله - عز وجل - بهذه الطريقة ، تتعبد الله من خلال كل كوة في كل يوم ، وهذا سمعنا عنه في حضارة الأندلس ، حضارة المسلمين في الأندلس أنهم بنوا بناءا فيه أنه في كل يوم تطلع الشمس من كوة لكن هذا دليل على أن الفكرة أيضا كانت قبل ذلك ، والله أعلم بحقيقة هذا الأمر . لكن الشرك بالله وعبادة الشمس من دون الله ، يسجدون للشمس من دون الله ، يعبدون غير الله ، انظر هذا الذي استنكره هذا الطير (امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) ثم يقول (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ*أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ولهذا انظر لهذه الملامح :
أولها : استدل الطير بالربوبية على الألوهية (أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) والخبء هو المخبؤ في السماء وفي الأرض (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) والخبء أيضا في السماء ذُكر أنه المطر والسحاب ونحو ذلك أما في الأرض فمعلوم من الزرع والماء وغير ذلك لكن هو استدلال على أن الذي هو يملك الملك هو الذي يجب أن يُعبد وحده لا شريك له أما الشمس فهي مخلوقة مُدبرة لا تملك من الأمر شيئا فكيف تُعبد من دون الله - عز وجل - . الهدهد نفسه لما قال (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) والمفسرون وقفوا عند قوله (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) كيف كان يمدح عرشها بأنه عظيم ، عظيم لبني جنسها من الملوك لمثل الملوك من بني جنسها لكنه لما جاء ليُقرر التوحيد أخبرنا عن العظمة الحقيقية (أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ*اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) لاحظوا معي (وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ*اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وانظر كيف يخبر سليمان أن لها عرش لكن أيضا يُقرر في التوحيد أنه لا تكون العبادة إلا لرب العرش العظيم مالك الملك - سبحانه وتعالى - .
الأمر الرابع في كونه داعية للتوحيد : ماذا كان جزاء الهدهد ؟
اسمع ماذا يقوا ابن كثير - رحمه الله تعالى - " ولما كان الهدهد داعيا إلى الخير وعبادة الله وحده والسجود له نُهي عن قتله كما روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصُرد ) وإسناده صحيح " ا.هـ .
داعية إلى التوحيد فكان من عاقبة ذلك أنه نهى عن قتل الهدهد ، وأنا أقول - وفي مقابل ذلك أمر بقتل الوزغ لأنه كان ينفخ في نار إبراهيم - عليه السلام - التي أوقدها له أعداؤه كما جاء أيضا في الحديث الصحيح - الحيوانات ، الطير كلها تتفاعل (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) انظر إلى قيمة التوحيد ونحو ذلك .
أخيرا في دعوة هذا الهدهد نقول : إنه والله لأمر عجب ، الهدهد الطير الضعيف يجلب دولة بكاملها ويحولها إلى الإسلام ، هل تأملتم هذا ؟! هذا الطير يكون سببا في جلب دولة بكاملها لأنه كما تعلمون بعد المراسلات (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا) وفعلا أوتي بالعرش وجاءت سليمان وقومها مسلمة لله رب العالمين ، هل تأملت يا أخي ؟! أين أنا وأنت من هذا النموذج في الدعوة إلى الله - عز وجل - ، فضل الله واسع لكن هل أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر أو دعوة ضالا أو هدى الله على يديك كافرا ، أنت أيها المؤمن الموحد القادر الذي آتاه الله النِعم ، أين أنت من هذا الطير يا أخي في الله ؟ هل تأملت كيف يفعل هذا الطير ليأتي سليمان بهذه السرعة ويقذف بهذا الخبر العجيب ويقول (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) ثم تكون المراسلات ثم إذا بهم يتحولون إلى دين الله مع نبي الله سليمان يعبدون الله الواحد القهّار بدلا الشرك بالله - عز وجل - .
أيها الداعي إلى الله من رجل أو امرأة قارن وتأمل في قصة هذا الطير وأين أنت منه ؟! كم في هذا العالم من فرص لكنه الكسل والسلبية عندنا ، نسأل الله أن يطهر قلوبنا وأخلاقنا ومعاملتنا منها . قف يا عبد الله مع طير يكون سببا في هداية دولة وأمة يجلبها إلى الإيمان ، أين أنت الموحد العابد لله ؟! .
الدرس الثامن - والأخير- ونختم به : قوله (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) العجيب أن سياق الآية - والعلم عند الله - كأن الهدهد يستنكر ويُلاحظ في السياق أنه قال "امرأة" مُنكرة وقال "تملكهم" قدم "امرأة" على "تملكهم" وقد فهم هذا المفسرون وأورد القرطبي وغيره الحديث المشهور في البخاري وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (لن يُفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة) ومع يقيننا أيها الإخوة في الله أن شريعة الله هي شريعة العدل والكمال للرجال والنساء ، ومع إيماننا الإيمان التام بأن شريعة الله وأحكام الله هي شريعة أحكم الحاكمين لا يمكن أن تُقاس بنُظم ولا شرائع للبشر إلا أنه من المؤسف أن نرى خلخلة كبيرة من المفاهيم فيما يتعلق بقضية المرأة في مجتمعات المسلمين كلها . ما هذا الصراع الذي يجري ، هذا الصراع المفتعل بيني وبين أمي ، وبيني وبين بنتي ، هل يُعقل ؟! المجتمع من أوله لآخره ما بين أب وبنت ، أم وولد ، زوج وزوجة ، أخ واخت ، ما هذا التدبير الماسوني الصهيوني لهذا العالم لإفساد أمم الأرض عن طريق المرأة ثم ينتقل هذا الإفساد إلى بلاد الموحدين ، الهدهد يستنكر يقول (وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) وهذه المرأة التي لها عرش عظيم انتهى المطاف حين رفعها الله - عز وجل - بقولها (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لذلك نقول لماذا هذا الاعتراض على شريعة الإسلام وأحكامه ، ولماذا نرى المقياس هو أنظمة الغرب وليس شريعة الله - عز وجل - .
هناك مشكلتان فيما يتعلق بقضية المرأة وتغريب المجتمع عن طريق المرأة لأنه كما هو معلوم مثلث التغريب في البلد ولا أقول الإفساد في بلاد المسلمين فهذا يدخل فيه أشياء كثيرة مالية وقضائية وأشياء كثيرة لكن مثلث التغريب بالنسبة للمجتمع هو الثلاثي المعروف (المرأة والتعليم والإعلام) ويسعون جاهدين لإفسادها وانظر للترابط بينها (المرأة والتعليم والإعلام) فتش عن هذه الثلاثة تجدها هي المحور لإفساد المجتمع وتغريبه بدعوى الإصلاح كما يدعي المنافقون ، هناك مشكلتان :
الأولى : الضغط الغربي على المسلمين في موضوع المرأة ، متى ينتهي هذا الضغط من هؤلاء الذين يعيشون في مشاكلهم الكبرى التي لا تُعد ولا تُحصى . أفقر بلد عربي وبلد إسلامي - الصومال - فيه من المشاكل والمآسي والفقر ، الدول الغربية تفرض عليهم في مجلس النواب الثلث نساء ، انتخاب ما انتخاب ، ديموقراطية ما علينا منكم الثلث نساء ، يستسلمون ويصير الثلث نساء ، وأين ؟ في الصومال . يا كذبة يا دجاجلة أنتم بديموقراطيتكم التي تزعمون أن لها مائتين سنة لم يصل ولا اثنين أو ثلاثة بالمئة من النساء . ما هذا المكر ؟! وفعلا هذا يُفرض على بقية البلاد ، يعني الأمة تعرف مجال المرأة وإن كان هناك شذوذات فحينما تكون هناك انتخابات على طريقتهم الديموقراطية تجد لا يكاد يفوز من النساء إلا واحدة أو اثنتين أو لا يكون لأن الأمة فاهمة لدور المرأة ، ليسوا أعداء للمرأة ، بل المرأة نفسها حين تُدعى إلى الانتخابات هي تنتخب الرجال ومع ذلك تفرض الدول الغربية لى البلاد العربية والإسلامية أن يكون من صلاحية الرئيس أن يُعين عضوات ، هم لا يستطيعوا أن يُعينوا ، في فرنسا ، في أمريكا ، في ألمانيا ، لا يستطيع الرئيس أن يُعين ، عندهم مجالس أُخرى لكن لا يستطيع في المجلس المنتخب أن يُعين لكن في الدول المستعبدة ، الخاضعة ، الخانعة ، لأنهم يعلمون أنها هكذا يفرضون عليها هذا الأمر ، الصومال الثلث نساء ، تتعجب ، يعني هؤلاء إن صح التعبير يريدوننا أن نبلع التغريب بالكوم لا يريدونك أن تكون حتى متدرجا . هذا الضغط الغربي ولا نستنكر الضغط الغربي لأن التغريب جزء من مشروعه في الاستعمار والكيد ومحاربة دين الله وأوليائه وشريعته وأحكامه ، لا نستنكر هذا من الغرب لكن المشكلة القسم الثاني : القبول والاستجابة من بعض المسلمين وخاصة حين يتحرك لذلك رؤوس العلمانيين ويستجيب لهم بعض الإسلاميين التنويريين .
قضية المرأة قضية معروفة والتغريب عن طريقها قضية معروفة فلماذا هذا التحدي للأمة ولشريعتها ولدينها ؟! لماذا هذا الفرض بالقوة ، يعني مديرة الجامعة تصدر قرار بالقوة أن المدرس يدخل على الطالبات ويُدرسهن ، أنا لا أتساءل عن القصة ، أتساءل عن الذي جرأ مثل هؤلاء على مثل هذه الأعمال ، هذا التساؤل الكبير ، من يتحمل مسؤولية من جرأ هؤلاء على هذا الأمر ؟! لأن القضية ليست قضية مدرس درس في الغرب ومتعود ويقول أنه شيء عادي لكن الناس القليديين ، المتخلفين يستنكرون هذا وإلا فهو شيء عادي ، لا أستغرب أن يأتي مثل هذا لكن استغرب أن يتجرأ على ذلك ويعلم أنه مسموح له بذلك ولن يُعاقب . يا أيها الإخوة في الله - كما ذكرنا في درس التوحيد (أفأمنوا مكر الله) هل نأمن مكر الله - عز وجل - بنا ونحن نرى ما حولنا ؟! هل نترك هذه الشرذمة والشرا\م تعبث بأعراضنا وبتعليمنا ؟! الحقيقة أن القضية يجب أن ينتبه لها العقلاء جميعا وأن تكون الأمة رجالا ونساء من كافة فئات المجتمع ، أن يكونوا يدا واحدة للحفاظ على مسيرة المجتمع المسيرة الحقيقية من خلال الإيمان والتقوى والأخلاق والانضباط الحقيقي وإلا فالكل يعلم أن التعليم المختلط هو تعليم فاشل ، والدول الغربية الآن بدأت تتراجع وتُنشئ كليات غير مختلطة ، وأخواتنا في الدول العربية التي الآن تعيش مراحل التغيير بدات تتراجع وتعود إلى منع الاختلاط فلماذا المرأة في بلادنا هذا يُراد لها أن تسير عكس التيار ، أخواتنا في البلاد العربية يرجعن إلى الحجاب وبناتنا يرمين الحجاب ، أهذا يليق ؟! اتقوا الله من أعلى مسؤول إلى أدنى مسؤول ، اتقوا الله فإن أمر الله وقدر الله إذا جاء لا يستطيع أحد أن يرده ، اتقوا الله يا عباد الله لأن الأمة إذا حافظت على إيمانها ودينها وصار فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب له شأن وله قبول وله تجاوب والأمة مترابطة فالله - عز وجل - يقويها ويحفظها ويغرس فيها الهيبة من جانب أعدائها ، أما حين نستسلم لهم وإذا قالوا ضعوا امرأة في المكان الفلاني وضعنا عشر ، وإذا قالوا لنا المرأة لابد تقوم بدورها بحثنا لها عن كل مكان حتى تكون فيه فهذا علامة دبور وأن الأمة تسير سيرا غير صحيح يُخاف من عواقبه .
أقول في ختام هذا الدرس : لابد من مراجعة أحوالنا وقراراتنا .
إن لم تكن هناك مراجعة حقيقية عملية ، صحيحة وإلا فلا أحد يدري ما الذي تخبأه الأيام والله - عز وجل - هو الحاكم وهو الذي يدبر أمور شريعتنا ، ديننا ، أحكامنا. ينبغي أن يكون في قلب كل مسلم ومسلمة أن هذا مما لا نساوم عليه مهما كانت الأحوال والظروف وأن لا نتنازل عنه مهما كاد الكائدون ومهما أرجف المرجفون من المنافقين المفسدين الذين لا يصلحون .
اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين وأن تنصر من نصر الدين ، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم انصر إخواننا في بلاد الشام ،اللهم اجمع كلمتهم على الحق ،اللهم وحّد صفوفهم وسدد رميهم ، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم ،اللهم اكفهم مكر الماكرين وكيد الكائدين، اللهم من مكر بهم فامكر به، ومن كادهم فكده ،اللهم عليك بطاغية الشام وأعوانه ومساعديه وجنده وكل من آزره، اللهم زلزلهم يا قوي يا عزيز ،اللهم احفظنا بحفظك وردنا إليك وأرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى ،اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بإفساد أو زعزعة أمن وإيمان وعقيدة اللهم فرد كيده في نحره واكفناه بما شئت يارب العالمين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق