(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ*وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ*وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ*وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ*وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ*سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ*إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)
كما قلنا في الحديث عن نوح أمرهما أي موسى وهارون عليهما السلام مستفيض لكن سأبين بعض الإشكالات :
/ المنّة هنا بالنبوة وقد جمع الله لبني إسرائيل بمنته عليهم أمرين: وهو إعطاء المنافع ودفع المضار الفرق في الحال ما بين خبر نوح وخبر إبراهيم وخبر موسى وهارون أنه في خبر نوح وخبر إبراهيم لا يوجد أمة مستضعفة أما بنو إسرائيل كانوا أمة مستضعفة عند فرعون وكان أهل مصر الأقباط يسخرون بني إسرائيل لهم حتى رأى فرعون رؤياه فأخذ يُقتّل ، هذا التسخير بقدر الله وهذا مهم تعامل معه بنو إسرائيل بمنتهى الدهاء، الأقباط استعملوا بني إسرائيل استعملهم الأقباط بأرذل الصناعات مع ذلك بقي بنو إسرائيل يتقنونها ويجيدونها ويتمسكون بها ، لِمَ يتقنونها ويجيدونها ويتمسكون بها ؟ حتى لا يلجأ أهل مصر لأن يُجلوهم ويقتلوهم لأنهم يعلمون عظيم الحاجة لهم فإذا علموا عظيم الحاجة لهم أبقوهم فكان بنو إسرائيل يتعاملون مع تلك المرحلة على أن المراد والهدف والغاية والمقصود بقاء الجنس بقاء النوع حتى لا يهلك فالأمة التي تعي ما المرحلة التي تعيشها تعي ما الشيء الذي تصنعه أما إذا الإنسان لا يعي المرحلة التي يعيشها لا يمكن أن يعي الشيء الذي يريد أن يصنعه، فقبل بنو إسرائيل وأخذوا يتقنون حتى لا يستبدل بهم أهل مصرغيرهم وحتى لا يفنوهم إلى أن يفرجها الله ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله - في كلمة عظيمة له: "لو أن الناس إذا ابتلوا بجور السلطان صبروا كما صبر بنو إسرائيل لنجاهم الله كما نجا بني إسرائيل لكنهم يلجأوون إلى السيف فيكلهم الله إلى السيف" لأنهم ما دام لجأوا إلى السيف وتركوا الله سيكلهم الله إلى ما لجأوا إليه .
وبنو إسرائيل قالوا لموسى بعد أن بُعث (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) كانوا مستضعفين ولهذا قال الله في الأعراف (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) والمقصود ليس أن تضعف الأمة محال المقصود ماهي المرحلة يقابلها ماهو العمل أما عدم فقه هذه المرحلة لا يمكن أن يعرف معها ماهو العمل . فبقي بنو اسرائيل حريصين على أن يبقوا أحياء حتى يسخر الله لهم من ينقذهم فكان نبيهم موسى قال الله (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) وهما أخوان شقيقان وإنما قدم موسى لأن موسى جاءته النبوة من غير سؤل أما هارون فهو لم يسألها لكن سألها له أخوه موسى ((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ*وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي مما كان عليه بنو اسرائيل في زمن فرعون (وَنَصَرْنَاهُمْ) -أي على عدوهم- (فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) . ثم قال الله (وَآتَيْنَاهُمَا) خص موسى وهرون لأن التوراة انزلت عليهما (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) الكتاب هنا : التوراة قطعا و"المستبين" من الفعل استبان والسين والتين لزيادة المبالغة فيصبح المعنى (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) أي الظاهر بجلاء الواضح البيّن والله - جل وعلا - سمى التوراة في كتابه نور وهي من عنده لكن بني اسرائيل بعد موسى بدلوا في التوراة والله لم يكل إلا إليهم حفظ التوراة وأما كتابنا القران تولى الله - جل وعلا - حفظه .
مما يبغض لنا في زماننا هذا ما يعرف بالملازم تعرفون الملازم في طلاب الثانوية طلاب الجامعات يجعلون العلم في ملازم ، من يفقه القران يبغضها لأن الله قال عن بني إسرائيل ( وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) القراطيس: هي الملازم الآن ، كان بنو إسرائيل يأبون أن يجعلوا التوراة في كتاب واحد يجعلونها متفرقة مثل الملازم الآن حتى إذا جاء أحد يحاجهم الشيء الذي يوافقهم أخرجوه والشي الذي لا يوافقهم قالوا مافي ما يوجد هذه التوراة أمامك نقبها افتحها ما فيها شي لأن الذي يخصّ ما هو عليهم قد أخفوه ، ولا يمكن إخفاؤه إلا إذا جعلوه قراطيس يعنى مفرق ليس قرطاس بمعنى وعاء قراطيس بمعنى أشبه ما يعرف بعصرنا بالملازم - مفرق - ولا يجعلونه في كتاب بيّن ، ولذلك لوكان لنا من الأمر شيء ما حسُن أن يُطبع القرآن على شكل أعشار أوعلى شكل جزء يس أو على شكل ...، يطبع كاملا لأنك مهما قرأت من آية تحتاج إلى أن تفقهها في التالي ، فيُصغّر الحجم لكن لا يُفرق ، وإن كان القائمون بهذا الأمر مؤتمنين وأرادوا خيرا ، لكن أتكلم أنا عن فقه القرآن يبقى القرآن كاملا لأن بني إسرائيل دخل عليهم التحريف - وإن كان القرآن لن يدخله هذا تكفل الله بحفظه فما يخاف منه يعني محفوظ - لكن من باب التأسي الله ذمهم بقوله ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) كما في سورة الأنعام .
الذي يعنينا هنا قال الله - جل وعلا - (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) أي موسى وهارون (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي القويم الذي لا اعوجاج فيه البتة (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ*سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) وما يقال عن ما قلناه عن نوح هل هذا استئناف أو بيان يقال في حق موسى وهرون ويقال في حق غيرهما من الأنبياء مما سيأتي ذكرهم ممن أتى ذكرهم في سورة الصافات .
بقي الحديث عن هذين النبيين الكريمين إجمالا بعد أن تحدثنا عن الآيات قلنا إنهما أخوان شقيقان وهارون أكبر من موسى ، وتوفي هارون قبل موسى ، حتى تعلم علما جاما يعني - شاملا عاما - وكلاهما - موسى وهرون عليهما السلام - مات وبنو إسرائيل في أرض التيه ولهذا الذي عبر ببني إسرائيل أرض التيه يوشع ابن نون ، ويوشع هو فتى موسى (وإذ قال موسى لفتاه) فتاه هو يوشع ابن نون على موسى السلام وعلى يوشع نبي. القرآن في خبر السجود مرة قدم موسى ومرة قدم هرون وقد بينا هذا مرارا وأظن لا بأس بالإعادة قال مثلا في طه (بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) وفي غيرها قال (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) ومعلوم أن السحرة قالوا هذا مرة واحدة . والجواب عن هذا : أنه بالعقل السحرة لما قدموا ما كان لديهم تواطؤ أن يؤمنوا ، السحرة ليسوا واحدا ، أُمة ومعهم سحرهم ، ألقوا الحبال ، ألقوا العصي لكن الله - جل وعلا - بقدره وهذا الذي كنا نقول في الأول أن كل شيء بالعدل رزقهم الله الأدب الأدب مع من؟ الأدب مع موسى تأدبوا قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى الله جل وعلا لا يضيع عنده شيء حفظ لهم هذا الأدب ، قال (بل ألقوا) فألقوا الحبال والعصي سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم جاء موسى وألقى عصاه ، لما ألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان تلقف كل ما يأكلون وهم سحرة يعرفون السحر يعرفون الصنعة لكنهم رأوها ثعبانا حقيقيا ليست سحرا وهم يعلمون أن ما ألقوه حبال وعصي لكنها في أعين الناس ثعابين هذا جعلهم يؤمنون ، لما آمنوا لم يكن بينهم إتفاق ولا رئيس يتقدمهم فاختلف تعبيرهم عن الإيمان فطائفة قالت آمنا بـ (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) باعتبار أن موسى هو الذي ألقى العصا وطائفة قالت (بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) اعتبار أن هرون هو الأكبر فلم يكن بينهما اتفاق، فالله - جل وعلا - في قرآنه العظيم ذكر كل ما قاله السحرة ، فإذا قال الله - جل وعلا - (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فهذه طائفة من السحرة ، وإذا قال الله - جل وعلا - آمنا بـ (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فهؤلاء طائفة من السحرة فيصبح هذا الجمع ما بين آيات القرآن لأن هذا لم يقع إلا مرة واحدة .
موسى عليه السلام وهارون لقيهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة الإسراء والمعراج فلقي هرون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة وهذا ظاهر في أن موسى أفضل من أخيه - عليهما السلام - ، كما أن هرون لم يأت في الأحاديث أكثر من أنه رحب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال (مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح) أما موسى فإنه لما تجاوزه - عليه الصلاة والسلام - بكى فقيل له ما يبكيك؟ قال أبكي أن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي وهذا مما يتنافس الأنبياء فيه. ولهذا الإنسان إذا دعا إلى الدين مثل إخواننا المباركين في مكاتب توعية الجاليات والمكاتب التعاونية الذين يدعون غير المسلمين هؤلاء يحققون لأنفسهم شيئا عظيما ويحققون للدين وفي الوقت نفسه يُفرحون بذلك رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال (إني لأرجو الله -لما ذكر النبيين- أن أكون أكثرهم تابعا) فموسى عليه السلام قال - غبطة - أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي.
مما يتعلق بموسى وهرون لم يأت في الأحاديث شيء عن وصف هارون اللهم إلا ما ورد في بعض الروايات أن لحيته تكاد تلامس سرته ، وأما موسى فقد ورد أنه كان كان آدم يعني يميل إلى السمرة ، وأنه وأنه كان جعد الشعر - صلوات الله وسلامه عليه - هذا بعض ما ورد في وصفه الجسدي ، أما وصفه الخلقي فقد أثنى الله - جل وعلا - عليه في كلامه في كتابه العظيم وقال عنه (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فقد آتاه الله جل وعلا شرف أنه كلمه وإذا قيل الكليم لا ينصرف إلا إليه - صلوات ربي وسلامه عليه - ، وهو أحد أولي العزم من الرسل ، ويوم القيامة عندما يقال له اشفع لنا يقول قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها ، النفس التي لم يؤمر بقتلها هي نفس القبطي الذي استنصره عليه صاحبه الإسرائيلي قال الله - جل وعلا - (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) استغفر ربه قال الله - جل وعلا - (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) هنا ننيخ المطايا بعدها قال موسى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) لا يجوز موالاة أحد يُعلم منه أنه يريد إفساد الناس في دينهم، لا يجوز أبدا موالاة أحد يُعلم من صنيعه أنه يريد إفساد الناس في دينهم لقول الله - جل وعلا - عن الكليم موسى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا) أي ناصرا (لِّلْمُجْرِمِينَ) وهذا يعني قد يختلف معنا بعض أهل الفضل فيه لكن نضرب له مثلا : لو أن أحدا أنشأ مثلا دار سينما أو مسرح أو قناة وليس له بغية - ظهر لنا هذا من ظاهره السرائر ليس لنا بها علاقة - ليس له بغية إلا أن يفسد الناس يعني ما صنعها ، ما دفع ماله إلا أن يفسد الناس عمدا ليست عثرة له ثم جاء لأحد الصالحين ممن يظن بهم الصلاح ، واعظ أو عالم أو داعية أو رجل مسموع الكلمة قال له أريد أن تشاركنا في هذا الأمر ، بمعنى أنه نجعل لك جزءا من الوقت تتكلم فيه ، فلا ريب أن هذا الجزء من الوقت سيقول به هذا المالك المنشئ لهذا الأمر - أيا كان - سيقول سيجعله حجة على الرائين ، على الناس ، شارك - شعر أو لم يشعر - نصره من غير أن يدري، فإذا ثبت أن هذا الأول إنما أراد بصنيعه الإفساد في الناس فالذي يظهر من هذه الآية أنه لا تجوز نصرته البتة ولا يحتج علينا بأي فعل لأن الله قال عن كليمه (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) واضح هذا .
لكن هذا منحى في الفهم بمعنى يمكن أن يقابله فهم آخر يعارضه بأدلة أخرى ليس المقام مقام جزم إنما مقام استنباط فهم كلام رب العالمين . متعنا الله وإياكم متاع الصالحين وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
__________________________________
الشكر موصول للأخت أم الوليد على قيامها بتفريغ الحلقة
/ المنّة هنا بالنبوة وقد جمع الله لبني إسرائيل بمنته عليهم أمرين: وهو إعطاء المنافع ودفع المضار الفرق في الحال ما بين خبر نوح وخبر إبراهيم وخبر موسى وهارون أنه في خبر نوح وخبر إبراهيم لا يوجد أمة مستضعفة أما بنو إسرائيل كانوا أمة مستضعفة عند فرعون وكان أهل مصر الأقباط يسخرون بني إسرائيل لهم حتى رأى فرعون رؤياه فأخذ يُقتّل ، هذا التسخير بقدر الله وهذا مهم تعامل معه بنو إسرائيل بمنتهى الدهاء، الأقباط استعملوا بني إسرائيل استعملهم الأقباط بأرذل الصناعات مع ذلك بقي بنو إسرائيل يتقنونها ويجيدونها ويتمسكون بها ، لِمَ يتقنونها ويجيدونها ويتمسكون بها ؟ حتى لا يلجأ أهل مصر لأن يُجلوهم ويقتلوهم لأنهم يعلمون عظيم الحاجة لهم فإذا علموا عظيم الحاجة لهم أبقوهم فكان بنو إسرائيل يتعاملون مع تلك المرحلة على أن المراد والهدف والغاية والمقصود بقاء الجنس بقاء النوع حتى لا يهلك فالأمة التي تعي ما المرحلة التي تعيشها تعي ما الشيء الذي تصنعه أما إذا الإنسان لا يعي المرحلة التي يعيشها لا يمكن أن يعي الشيء الذي يريد أن يصنعه، فقبل بنو إسرائيل وأخذوا يتقنون حتى لا يستبدل بهم أهل مصرغيرهم وحتى لا يفنوهم إلى أن يفرجها الله ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله - في كلمة عظيمة له: "لو أن الناس إذا ابتلوا بجور السلطان صبروا كما صبر بنو إسرائيل لنجاهم الله كما نجا بني إسرائيل لكنهم يلجأوون إلى السيف فيكلهم الله إلى السيف" لأنهم ما دام لجأوا إلى السيف وتركوا الله سيكلهم الله إلى ما لجأوا إليه .
وبنو إسرائيل قالوا لموسى بعد أن بُعث (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) كانوا مستضعفين ولهذا قال الله في الأعراف (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) والمقصود ليس أن تضعف الأمة محال المقصود ماهي المرحلة يقابلها ماهو العمل أما عدم فقه هذه المرحلة لا يمكن أن يعرف معها ماهو العمل . فبقي بنو اسرائيل حريصين على أن يبقوا أحياء حتى يسخر الله لهم من ينقذهم فكان نبيهم موسى قال الله (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) وهما أخوان شقيقان وإنما قدم موسى لأن موسى جاءته النبوة من غير سؤل أما هارون فهو لم يسألها لكن سألها له أخوه موسى ((وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ*وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي مما كان عليه بنو اسرائيل في زمن فرعون (وَنَصَرْنَاهُمْ) -أي على عدوهم- (فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) . ثم قال الله (وَآتَيْنَاهُمَا) خص موسى وهرون لأن التوراة انزلت عليهما (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) الكتاب هنا : التوراة قطعا و"المستبين" من الفعل استبان والسين والتين لزيادة المبالغة فيصبح المعنى (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) أي الظاهر بجلاء الواضح البيّن والله - جل وعلا - سمى التوراة في كتابه نور وهي من عنده لكن بني اسرائيل بعد موسى بدلوا في التوراة والله لم يكل إلا إليهم حفظ التوراة وأما كتابنا القران تولى الله - جل وعلا - حفظه .
مما يبغض لنا في زماننا هذا ما يعرف بالملازم تعرفون الملازم في طلاب الثانوية طلاب الجامعات يجعلون العلم في ملازم ، من يفقه القران يبغضها لأن الله قال عن بني إسرائيل ( وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) القراطيس: هي الملازم الآن ، كان بنو إسرائيل يأبون أن يجعلوا التوراة في كتاب واحد يجعلونها متفرقة مثل الملازم الآن حتى إذا جاء أحد يحاجهم الشيء الذي يوافقهم أخرجوه والشي الذي لا يوافقهم قالوا مافي ما يوجد هذه التوراة أمامك نقبها افتحها ما فيها شي لأن الذي يخصّ ما هو عليهم قد أخفوه ، ولا يمكن إخفاؤه إلا إذا جعلوه قراطيس يعنى مفرق ليس قرطاس بمعنى وعاء قراطيس بمعنى أشبه ما يعرف بعصرنا بالملازم - مفرق - ولا يجعلونه في كتاب بيّن ، ولذلك لوكان لنا من الأمر شيء ما حسُن أن يُطبع القرآن على شكل أعشار أوعلى شكل جزء يس أو على شكل ...، يطبع كاملا لأنك مهما قرأت من آية تحتاج إلى أن تفقهها في التالي ، فيُصغّر الحجم لكن لا يُفرق ، وإن كان القائمون بهذا الأمر مؤتمنين وأرادوا خيرا ، لكن أتكلم أنا عن فقه القرآن يبقى القرآن كاملا لأن بني إسرائيل دخل عليهم التحريف - وإن كان القرآن لن يدخله هذا تكفل الله بحفظه فما يخاف منه يعني محفوظ - لكن من باب التأسي الله ذمهم بقوله ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) كما في سورة الأنعام .
الذي يعنينا هنا قال الله - جل وعلا - (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) أي موسى وهارون (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي القويم الذي لا اعوجاج فيه البتة (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ*سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) وما يقال عن ما قلناه عن نوح هل هذا استئناف أو بيان يقال في حق موسى وهرون ويقال في حق غيرهما من الأنبياء مما سيأتي ذكرهم ممن أتى ذكرهم في سورة الصافات .
بقي الحديث عن هذين النبيين الكريمين إجمالا بعد أن تحدثنا عن الآيات قلنا إنهما أخوان شقيقان وهارون أكبر من موسى ، وتوفي هارون قبل موسى ، حتى تعلم علما جاما يعني - شاملا عاما - وكلاهما - موسى وهرون عليهما السلام - مات وبنو إسرائيل في أرض التيه ولهذا الذي عبر ببني إسرائيل أرض التيه يوشع ابن نون ، ويوشع هو فتى موسى (وإذ قال موسى لفتاه) فتاه هو يوشع ابن نون على موسى السلام وعلى يوشع نبي. القرآن في خبر السجود مرة قدم موسى ومرة قدم هرون وقد بينا هذا مرارا وأظن لا بأس بالإعادة قال مثلا في طه (بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) وفي غيرها قال (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) ومعلوم أن السحرة قالوا هذا مرة واحدة . والجواب عن هذا : أنه بالعقل السحرة لما قدموا ما كان لديهم تواطؤ أن يؤمنوا ، السحرة ليسوا واحدا ، أُمة ومعهم سحرهم ، ألقوا الحبال ، ألقوا العصي لكن الله - جل وعلا - بقدره وهذا الذي كنا نقول في الأول أن كل شيء بالعدل رزقهم الله الأدب الأدب مع من؟ الأدب مع موسى تأدبوا قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى الله جل وعلا لا يضيع عنده شيء حفظ لهم هذا الأدب ، قال (بل ألقوا) فألقوا الحبال والعصي سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم جاء موسى وألقى عصاه ، لما ألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان تلقف كل ما يأكلون وهم سحرة يعرفون السحر يعرفون الصنعة لكنهم رأوها ثعبانا حقيقيا ليست سحرا وهم يعلمون أن ما ألقوه حبال وعصي لكنها في أعين الناس ثعابين هذا جعلهم يؤمنون ، لما آمنوا لم يكن بينهم إتفاق ولا رئيس يتقدمهم فاختلف تعبيرهم عن الإيمان فطائفة قالت آمنا بـ (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) باعتبار أن موسى هو الذي ألقى العصا وطائفة قالت (بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) اعتبار أن هرون هو الأكبر فلم يكن بينهما اتفاق، فالله - جل وعلا - في قرآنه العظيم ذكر كل ما قاله السحرة ، فإذا قال الله - جل وعلا - (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فهذه طائفة من السحرة ، وإذا قال الله - جل وعلا - آمنا بـ (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) فهؤلاء طائفة من السحرة فيصبح هذا الجمع ما بين آيات القرآن لأن هذا لم يقع إلا مرة واحدة .
موسى عليه السلام وهارون لقيهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في رحلة الإسراء والمعراج فلقي هرون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة وهذا ظاهر في أن موسى أفضل من أخيه - عليهما السلام - ، كما أن هرون لم يأت في الأحاديث أكثر من أنه رحب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال (مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح) أما موسى فإنه لما تجاوزه - عليه الصلاة والسلام - بكى فقيل له ما يبكيك؟ قال أبكي أن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي وهذا مما يتنافس الأنبياء فيه. ولهذا الإنسان إذا دعا إلى الدين مثل إخواننا المباركين في مكاتب توعية الجاليات والمكاتب التعاونية الذين يدعون غير المسلمين هؤلاء يحققون لأنفسهم شيئا عظيما ويحققون للدين وفي الوقت نفسه يُفرحون بذلك رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال (إني لأرجو الله -لما ذكر النبيين- أن أكون أكثرهم تابعا) فموسى عليه السلام قال - غبطة - أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي.
مما يتعلق بموسى وهرون لم يأت في الأحاديث شيء عن وصف هارون اللهم إلا ما ورد في بعض الروايات أن لحيته تكاد تلامس سرته ، وأما موسى فقد ورد أنه كان كان آدم يعني يميل إلى السمرة ، وأنه وأنه كان جعد الشعر - صلوات الله وسلامه عليه - هذا بعض ما ورد في وصفه الجسدي ، أما وصفه الخلقي فقد أثنى الله - جل وعلا - عليه في كلامه في كتابه العظيم وقال عنه (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فقد آتاه الله جل وعلا شرف أنه كلمه وإذا قيل الكليم لا ينصرف إلا إليه - صلوات ربي وسلامه عليه - ، وهو أحد أولي العزم من الرسل ، ويوم القيامة عندما يقال له اشفع لنا يقول قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها ، النفس التي لم يؤمر بقتلها هي نفس القبطي الذي استنصره عليه صاحبه الإسرائيلي قال الله - جل وعلا - (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) استغفر ربه قال الله - جل وعلا - (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) هنا ننيخ المطايا بعدها قال موسى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) لا يجوز موالاة أحد يُعلم منه أنه يريد إفساد الناس في دينهم، لا يجوز أبدا موالاة أحد يُعلم من صنيعه أنه يريد إفساد الناس في دينهم لقول الله - جل وعلا - عن الكليم موسى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا) أي ناصرا (لِّلْمُجْرِمِينَ) وهذا يعني قد يختلف معنا بعض أهل الفضل فيه لكن نضرب له مثلا : لو أن أحدا أنشأ مثلا دار سينما أو مسرح أو قناة وليس له بغية - ظهر لنا هذا من ظاهره السرائر ليس لنا بها علاقة - ليس له بغية إلا أن يفسد الناس يعني ما صنعها ، ما دفع ماله إلا أن يفسد الناس عمدا ليست عثرة له ثم جاء لأحد الصالحين ممن يظن بهم الصلاح ، واعظ أو عالم أو داعية أو رجل مسموع الكلمة قال له أريد أن تشاركنا في هذا الأمر ، بمعنى أنه نجعل لك جزءا من الوقت تتكلم فيه ، فلا ريب أن هذا الجزء من الوقت سيقول به هذا المالك المنشئ لهذا الأمر - أيا كان - سيقول سيجعله حجة على الرائين ، على الناس ، شارك - شعر أو لم يشعر - نصره من غير أن يدري، فإذا ثبت أن هذا الأول إنما أراد بصنيعه الإفساد في الناس فالذي يظهر من هذه الآية أنه لا تجوز نصرته البتة ولا يحتج علينا بأي فعل لأن الله قال عن كليمه (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) واضح هذا .
لكن هذا منحى في الفهم بمعنى يمكن أن يقابله فهم آخر يعارضه بأدلة أخرى ليس المقام مقام جزم إنما مقام استنباط فهم كلام رب العالمين . متعنا الله وإياكم متاع الصالحين وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
__________________________________
الشكر موصول للأخت أم الوليد على قيامها بتفريغ الحلقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق