الأربعاء، 8 مايو 2024

فوائد من قصة آدم في سورة البقرة

   ■ قصة آدم عليه السلام 

بعدها تأتي الآيات تتحدث عن قصة آدم عليه السلام، وقبل أن نستفتح فوائد هذه القصة، لا بد أن نعلم أن كل ما يرد فيه من تفاصيل في قصة آدم فهي حكاية الفطرة البشرية بأكملها. هي نعم أثبتت أحداث وأثبتت حوار كما حُكي في هذه القصة، لكن كل معلومة تُذكر داخل هذه القصة فهي تحكي مسيرة البشرية بشكل عام، وهذه نبّه عليها غير واحد من المفسرين، يعني نجد مثلا السعدي في سورة طه في قصة آدم لما قال الله عز وجل (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) قال تحت تفسير هذه الآية "فصار عبرة لذريته وصارت طبائعهم مثل طبيعته، نسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد وهم كذلك، وبادر بالتوبة من خطيئته وأقرّ بها واعترف فغُفرت له، ومن يشابه أباه فما ظلم" ولذلك سواء قرأت هذه القصة في البقرة أو في الأعراف أو في الإسراء، أو في طه كل المواطن لابد أن نقرأها لأنها تشرح نفوسنا، وتشرح مسيرة حياتنا بشكل عام فلنتدبرها بشكل كافي حتى ترسم لنا خطانا في طريق الحياة.

من الفوائد:
١-  الآيات بينت إن الإنسان خليفة لما قال الله عز وجل (إني جاعل في الأرض خليفة) وكونه خليفة هذه بمقتضى الجعل الإلهي، يعني بمعنى أنها فطرة وهو ليس مُخير في ذلك الأمر. لكن تميز الإنسان بالخلافة، هذه الخلافة هي مظهر من مظاهر تكريمه على سائر المخلوقات، فإن معه على هذه الأرض مخلوقات متعددين، بل ومكلفين مثل الجن، ومع ذلك الخلافة جُعلت للإنسان، فهي من مظاهر تكريمه.

2- الخلافة مرتبطة بقضية عمارة الأرض، فكان خلق الإنسان بعد خلق السماوات والأرض بكل طاقاتها وإمكانياتها تدل على أنه مُستخلف فيها ويعمرها أيضا، لأنه إذا تفكرت سواء هنا أو في الأعراف أو في غيرها، قبل قصة آدم تأتي من الآيات ما تدل على تهيئة الأرض لآدم عليه السلام، يعني مثلا لما قال الله عز وجل (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) الآية التي قبلها  كانت (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) إذا كأن هذه الأرض هُيأت ثم أهبط إليها واستُخلف فيها ليعمُرها، فهذه يعني نظرة عامة في الحياة، وبالتالي هذه الأرض هو يعمُرها وهي مسخرة له، ولذلك تأمل في سورة الإسراء (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) فذكر مع التفضيل مسألة حمله في البر والبحر، كيف يُحمل في البحر؟ هذا من سبيل تسخير البحر للإنسان. ثم بعد ذلك الأمور التي ذكرت كلها تشرح هذا الأمر.

ما الذي تقوم عليه هذه الخلافة؟ هو العلم، وليس العبادة فقط. 
الملائكة فهمت أنها العبادة فقط، وبيّن لها الله سبحانه وتعالى أن الخلافة مرتبطة مع العبادة بالعلم أيضا لأنه قال للملائكة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) قال لهم (إني أعلم ما لا تعلمون) ثم قال (وعلّم آدم) فالعلم من مقومات الخلافة وبالتالي طلب العلم بشكل عام صورة من صور إنسانيتك وتكريمك على سائر المخلوقات، والبقاء في دائرة الجهل فإن الإنسان ينتقص نفسه لأنه مُكرم لأجل العلم.

 ٣- من الفوائد أيضا: مشهد الأكل من الشجرة بيّنت حكمة الله سبحانه وتعالى في الجزاء على الذنوب في حالتيها، أنا عندي ارتكاب الذنب له حالتين:  إما أن ترتكب الذنب وتُصر عليه وتستمر فيه ، أو ترتكب الذنب ثم تتوب وتستغفر. فهنا بيّنت الآيات حكمة الله سبحانه وتعالى في الجزاء على الذنوب في حالتيها: في حالة التوبة، وفي حالة الإصرار، وما يترتب عليها أيضا من أمور متعددة منها: حُسن الأسوة حين التوبة، الحذر من الذنب، موضوع الطبيعة البشرية أمام التكليف الرباني فهو تعليم للإنسان من جهة التكليف أنه سيواجهه وسوسة للشيطان باللذة، وسيواجهه في طبيعته أنه ينسى نسيان للعهد بالمعصية، ويواجهه أنه أيضا مفطور على معرفة ربه، فهناك الذكر بعد الغفلة كما حصل مع آدم عليه السلام، ثم بعد ذلك تسديد هذا الأمر بطلب المغفرة، هذا كله محطات داخل قصة آدم ينبغي أن نتأملها جليا لأنها كلها أمور فطرية مكرورة في النفس البشرية، إذا تأملت حياتك، كل إنسان يرجع لنفسه، واجه أمور، إنه ضعف أمام معصية تسلط عليه الشيطان، زيّن له هذه المعصية، وقع فيها ثم بعد ذلك استغفر، ما الذي يجعلني استغفر؟ لأنه من طبيعته أنه يستغفر، وما الذي يجعله يستمر ويُصر على معصيته؟ لأنه تسلط عليه الشيطان، هذا المشهد كله تعليم للبشرية كيف يتعلم من مشهد الجزاء على المعصية. 

٤- هذه القصة بيّنت أيضا: أن الملائكة طبيعتهم خير محض وعبوديتهم كاملة لله سبحانه وتعالى، في المقابل الشياطين شر محض، سأل الله النظِرة إلى يوم القيامة ليُضل الذرية، فلا يكفي أنه لم يسجد بل أراد أن يُضل غيره، فهو في غواية مستمرة. أما الإنسان فهو مزدوج الطبيعة، فهو يعبد الله باعتبار صفاته البشرية -وهذه ننتبه لها جيدا- يعبد الله بصفته البشرية وليست بصفته الملائكية، وإذا عصى فإنه يعصي أيضا بطبيعته البشرية وليس بالطبيعة الشيطانية *** فهذه الطبيعة تجعل الإنسان يستطيع أن يتوب، وتجعل الإنسان لا يقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى، وتجعل الإنسان أيضا لا يحسب نفسه ملكا يستطيع أن يعبد في كل أحواله، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب على النفر الثلاثة أنه يصوم ويفطر، وينام ويقوم، ويتزوج النساء فهو ينبغي أن يعبد الله عزوجل على طريقته البشرية. عموما هذا موضوع طويل لن نطيل فيه.

٥- من أهم الأمور الواردة في هذه القصة إنه بعد المعصية كان في قوله (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) والتي بُيّنت في سورة أخرى (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وفي الحديث (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) وجاء في الحديث أيضا (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) هذه لا بد أن نفقهها جيدا من هذه القصة. وعموما الموضوع له امتدادات أطول من ذلك.

٦- بينت الآيات إن الخطيئة فردية يتحملها صاحبها فقط، بالذات تحديدا في هذه القصة فيه ضلالات كثيرة، وفيها ادعاءات الكتب الأخرى التوراة والإنجيل، لكن ما ورد في القرآن (وعصى آدم ربه فغوى) فتحمل خطيئتة وحده وليس أن هناك أحد سيتحمل خطيئة الآخر.

 ٧- أيضا بينت فطرية التأثر بالترغيب والترهيب (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).

٨- بينت الآيات أيضا: التحذير من عداوة الشيطان للإنسان، فهي عداوة مستمرة عبر التأريخ البشري (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) إذا المسيرة كلها فيها عداوة، وفيها طرفين كما في قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) فالعداوة مستمرة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. 

٩- بينت الآيات أيضا: أن في التوبة على آدم - كما ذكرنا - تعليم للذرية كيف يتوبون، فالعبارة والصيغة التي ذكرت هي صورة من صور الاعتراف بالذنب، والتوسل إلى الله عز وجل بروبيته، والتوسل بحال العبد (ظلمنا أنفسنا) وبعد الدعاء اذا لم يحصل المقصود يقول (وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) هذا الدعاء بكافة مدلولاته يعلمنا الصيغ الكُملى في الدعاء لله سبحانه وتعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فوائد الآيات من دروس التفسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق