الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } [البقرة:83]
لاحظوا الآية الأولى رقم (29)، والآية هذه رقم (83)، فالقنوجي ترك آيات كثيرة يرى أنها ليست صريحة في دلالتها.
طبعًا هذه الآية فيها امتانٌ على بني إسرائيل، دائمًا إذا وجدتم في القرآن الكريم (وإذ أخذنا) ، (وإذ قال ربك) ، وإذ .. كذا، فاعلم أن المقصود: واذكر إذ كذا، فـ (إذ) هنا تكون في محل منصوب مفعول به وتقدير الفاعل: واذكر يا محمد إذ كذا وكذا وكذا.
فالله سبحانه وتعالى فصّل هنا ما أخذه على بني إسرائيل من المواثيق والعهود.
والأحكام التي يمكن أن نستطبها من هذه الآية : تأكيد حق الوالدين ووجوب الإحسان إليهما سواءً كانا كافرين أو مسلمين، لأن الله سبحانه وتعالى قرنه هنا بعبادته فقال: { لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} إلخ.
/ ومن فوائد هذه الآية أيضًا والأحكام التي تستنبط منها: وجوب صلة الرحم والإحسان إلى اليتامى والمساكين بدلالة هذه الآية.
/ وأيضًا من فوائد هذه الآية : أن الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كان مفروضًا على بني إسرائيل أيضًا - كما هو مفروضٌ على هذه الأمة - وهو من الأمور المشتركة بين الشرائع، ولذلك أنا أنصحكم – يا طلاب العلم – وأنتم تقرؤون في القرآن الكريم تتبعوا مثل هذه الآيات التي فيها إشارة إلى الفرائض المشتركة بين جميع الأنبياء والرسل، مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هذه مشركة بيننا وبين الأمم السابقة.
فالله سبحانه وتعالى نفى وقال: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} فحكم عليهم بالكفر لماذا؟ قال: { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}، ولذلك نحن نستنبط – أيها الأخوة – أن تعليم السحر كُفر، وهذا أبرز حكم في هذه الآية، فنقول: تعلُّم السحر كفرٌ نقطة.
وظاهره عدم الفرق بين عدم المُعتقِد لحِله والمُعتقِد لحُرمته، يعني بعضهم يقول: أنا أُريد أن أتعلم السحر حتى أفك عن المسحورين، نقول: هذا كفر ولا يجوز، والإسلام قد شدد في هذا الموضوع تشديدًا قويًا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد»، فهذه المسألة ليس فيها نقاش، والأدلة عليها واضحة ولا ينبغي التساهل فيها.
/ وأيضًا من فوائد هذه الآية ومن الأحكام التي اشتملت عليها: أن السحر له تأثير في المسحور، لكنه بتقدير الله سبحانه وتعالى ، قد يكون تأثيره قويًا، قد يكون تأثيره خفيفًا، لكن له تأثير، لأن هناك من أنكر وقال: السحر هو مجرد تخييلات وليس له حقيقة وليس له تأثير، ويستدلون بقوله تعالى في قصة موسى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه:66] فقال: { يُخَيَّلُ}. ولذلك يقول حافظ الحكمي في المنظومة التي ينبغي أن تُحفظ: والسحر حقٌ وله تأثير *** لكن بما قدره القدير
وحله بالوحي حقًا يُشرع *** أما بسحرٍ مثله فيُمنع
فلذلك نقول: السحر له تأثير وله حقيقة كما دلت عليه هذه الآية التي في سورة البقرة، لأن الله سبحانه وتعالى قال: { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }، وهذا تأثير مباشر، رجل وزوجته ثم يشتد به السحر حتى يتفرقوا ويطلق زوجته، وهذا يُعتبر من أشد أنواع تأثيره بالمناسبة، لأن الشيطان – كما تعلمون – في الحديث الصحيح عندما أرسل رسله لكي يُفسدوا في الأرض، فلما جاءه أحدهم قال: ما زلت بصاحبي حتى قتل صاحبه، قال: ما صنعت شيئًا - يعني هذه حاجة بسيطة - حتى جاءه رجل قال: ما زلت بفلان وزوجته حتى فرقت بينه وبين زوجته، قال: أنت أنت، يعني هذا الشغل. ولذلك الشيطان يرى أن التفريق بين الرجل وزوجته هو أعلى درجات التأثير، ولذلك الله سبحانه وتعالى خصّها هنا.
هذه فائدة مهمة جدًا، لماذا خصّ الله سبحانه وتعالى التفريق بين المرء وزوجه في آية السحر؟ للإشارة إلى أن من أعظم إفساد السحر هو هذه المسألة.
/ وأيضًا من فوائد هذه الآية : أن من تحصّن بالأذكار الشرعية لا يضره السحر - بإذن الله سبحانه وتعالى - كما قال: { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، ولذلك قد يتحصّن الإنسان بالأذكار ويُبتلى بالسحر، لأن الله سبحانه وتعالى أراد به خيرًا، أراد إما تكفيرًا لذنوبه أو أراد رفعة درجته. ولذلك ليس بالضرورة – أيها الأخوة – كل من يُسحر أن يُشفى، فقد يموت بسبب السحر وأجره على الله سبحانه وتعالى، لأن البعض أحيانًا قد يستمر في الرقية يستمر حتى ربما يُصاب باليأس، فنقول له: لا تيأس، فإن الله سبحانه وتعالى ربما أراد بالإنسان من الخير ما لا يعلمه الإنسان فيموت بسبب السحر ويرفع الله سبحانه وتعالى درجته بذلك.
/ أيضًا من فوائد هذه الآية ونختم بها: وجوب اجتناب ما لا تُؤمن غوائله.
هذه ذكرها صديق حسن خان، وهو يُشير إلى أن البعض قد يغُره فيتعلّم السحر، لأن هناك بعض العلماء تساهلوا وأجازوا تعلم السحر لمن يُريد أن يُعالج الناس أو يفك السحر عن المسحورين، وليس بقصد الإضرار بالناس، ثم إذا دخل فيه وقع في الكفر – والعياذ بالله – والشيطان كما سماه الله سبحانه وتعالى في سورة النور قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21]، الشيطان ذكي جدًا، ما يأخذك من أولها ..لا، يأخذك خطوة خطوة، يعني تعلم السحر حتى تفك عن هؤلاء المساكين، احتسب الأجر، ضحي من أجل الآخرين، كن كالشمعة تحترق من أجل الآخرين، فإذا دخل؛ جرّه معه إلى الكفر – والعياذ بالله -.
-----------------------------------------------------
جزى الله خيرا من قام بالتفريغ وقد نقلته (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق