الاثنين، 2 سبتمبر 2019

بينات ١٤٣٨هـ [٣] سورة الأنعام الآيات من (٨٠ - ٨٣)    


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
حيّاكم الله مشاهدينا الكرام في هذا اللقاء الجديد من برنامجكم بيّنات ، حياكم الله يا مشايخ وأهلا وسهلا بكم .
كنا في الحلقة الماضية توقفنا عند مجادلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحاججته لقومه في قوله تعالى :{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} والآيات التي تلتها ، وأشرنا إلى أهمية العلم لمن يتصدى للمحاورة والمجادلة للمخالفين في الإسلام والذين يثيرون الشبهات وأن من أول ومن أعظم شروط المجادلة هي العلم سواء في الدين أو في غيره فإنه لا يمكن أن تقوم المجادلة وأن تنجح المجادلة والمحاججة إلا بالعلم، ولذلك في علم الجدل والمناظرة يرون أن هذا من أعظم شروط المجادلة الصحيحة، حتى لو كنت تمتلك تقنيات المجادلة وأساليب المجادلة وأنت لا تملك العلم لا يمكن أن تنجح لأن العلم هو ركيزة أساسية في المجادلة .


 إبراهيم عليه الصلاة والسلام هنا يرُد على قومه شبهاتهم التي يثيرونها حول توحيد الله سبحانه وتعالى ، وهو عليه الصلاة والسلام يحتجّ على أن الله سبحانه وتعالى هو الأولى بالعبادة وبالتوحيد وأن يُفرَد سبحانه وتعالى بالعبادة . وواضح من هذه الآيات أن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانوا مشركين يعبدون الأصنام ويعبدون النجوم ويعبدون الكواكب ويعبدون الشمس وهذه كلها معبودات قديماً وحديثاً لازال هناك اليوم من يعبدها، يعبد الأصنام ويعبد الكواكب من دون الله سبحانه وتعالى. وهذه القصة والمجادلة التي تمت بين إبراهيم وقومه هي منسجمة مع سورة الأنعام التي قلنا أنها تتحدث عن الاحتجاج للتوحيد ونبذ الشرك . فجاءت هذه القصة -قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام- مع قومه لكي تكون حجة للنبي ﷺ على قريش الذين كانوا يدّعون الانتساب إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام -وهم كذلك- فهم من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكنهم خالفوه في هذا المبدأ -مبدأ التوحيد ومبدأ العقيدة- ولذلك ركّزت هذه السورة -سورة الأنعام- على ترسيخ هذه المفاهيم العقدية المهمة التوحيد ونبذ الشرك .
 من المسائل التي يمكن أن نشير إليها في هذه القصة قبل أن ننتقل إلى قوله : { وَحَاجَّهُ قَومُهُ } حتى لا نطيل.
 في أول السورة في قوله : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين} تذكرون ونحن نتحدث زمان في سورة البقرة في قوله : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } في أكثر من موضع الله سبحانه وتعالى يقول : { ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ } دون أن يذكر المفعول به الثاني .. صح؟ -نعم- لم يقل في موضع : ثم اتخذتم العجل إلها ، لكن هنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام صرّح فقال : {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} قالوا هذا لإظهار قُبح وشناعة هذا الفعل أنه يُتخذ صنم لا يعقِل ولا يسمع ولا يُبصر أن يُتخذ إله ، وأن هذا ضد العقل السليم وضد الفطرة السليمة فأراد إبراهيم بهذا السؤال الذي فاجأ به أباه أن يقيم عليه الحجة من أول المجادلة فقال : {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} فصرّح بالمفعول به هنا واضح هذا يا جماعة؟ -نعم- 
 تفضل يا دكتور محمد.
د. محمد الخضيري : لكن ما أجبت على السؤال الآخر وهو : في جميع موارد قصة بني إسرائيل يقول اتخذتم العجل ولا يقول إلها، في كل المواطن-لأنه ضد العقل- يقول الشنقيطي -رحمه الله- : تتبعت ذلك فوجدت أنه كأنه يقول هذا شيء يُستحيا من النطق به من قبحه وشناعته وخصوصاً على بني إسرائيل هم أصلاً موحدون وهم أتباع نبي ومع ذلك وقعوا في هذه الورطة العظيمة وفي هذه القباحة التي لا تُتَصور فكأنه يقول: أتعفف عن ذكر ذلك لقبحه وشناعته .
في قوله:{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } هذا أثر من آثار تشبع إبراهيم بالإيمان ويقينه بما عنده من العلم بعد هذه المحاجّة التي حصلت قبل.{ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } وهنا لم يقل في ربي إنما قال : { فِي اللَّه } لماذا ؟
 لأن الخصومة هنا في ألوهيته سبحانه وتعالى وأن هو حقيق بأن يُعبد ويُفرد بالعبادة أولا -وليس في ربوبيتة- ليس في ربوبيتة.
 قال: { وَقَدْ هَدَانِ } فأسند الهداية إليه سبحانه وتعالى. و(هَدَانِ) هنا أصلا معناها (هداني) ولكن تُحذف الياء التي بعد نون الوقاية للتخفيف .
د. مساعد الطيار : وهذا يدل على أن هذه متأخرة جداً لأنه قال { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ } فإظهار لفظ الجلالة في هذا الموطن دليل على أنه قد عرف ربه بتفصيلات لم تكن عنده قبل لأنه لما قال { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } أي حاجوه بعد هذه.
 د.عبد الرحمن الشهري : واضح حتى من قوله : { وَحَاجَّهُ } أنهم كانوا في مجادلة مستمرة له ومخاصمة مستمرة له حتى يثنونه عن ماهو فيه من التوحيد .
د. مساعد الطيار : طبعاً من قوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد ما ينتبه لها بعض الناس خلال قصة إبراهيم، وأنه رجل فرد وقف أمام قومه -وهذه من أشق الأشياء- جداً ولهذا قال من شدة اليقين الذي عنده أسلوب إبراهيم عليه الصلاة السلام وهو يقول :
 { أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } لاحظوا العبارات وما يمكن  أن نقول عنه أسلوب الإطناب في هذه العبارات هو من قوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي وقف أمامهم بهذا التصريح الواضح القوي جداً جداً سبحان الله .
د. محمد الخضيري : قوله { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } دلالة على أن القوم -كعادتهم- خوفوه من آلهتهم وأصنامهم قالو يا إبراهيم نحن نحذرك من هذه الأصنام إنها ستصيبك بالبواقع والفواجع وما تحدث أحد عنها بسوء -صار له كذا وكذا- ضربته وفعلت به ، فهو يقول لهم إن هذا الأمر لا يمكن أن يخطر لي على بال { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } الحقيقة هذا فيه تقوية للمؤمن إذا علم أن الأمور كلها لا تكون إلا من الله فهو لا يخاف لا من ساحر ولا من كاهن ولا من صنم ولا من نجم ولا من كوكب ولا حتى أيضا من الطِّيَرة التي تقع عند بعض الناس وهي لون من ألوان الشرك يعني عندما تخرج من بيتك وترى طيراً مرّ عن يمينك أو عن شمالك فتتطير به وتقول هذا سفر مشؤوم وتدع ما أنت عليه ، أو تقول سأخسر اليوم أو سيصيبني حادث لأني رأيت شخصاً فيه عيب أو عاهة ، هذا شُعبة من الشرك لا يتفطن لها كثير من الناس، نقول له اقرأ هذه الآية {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} لو يقع شيئ فهو مما شاءه الله سبحانه وتعالى .
د. مساعد الطيار : وهذا من تمام فِقه إبراهيم عليه السلام -سبحان الله- لاحظوا أنه يقول لو أصابني شيء فهو من الله وأنتم تظنونه من الآلهة، فيقول حتى لو أصابني بسببهن شيء فهو من الله ليس لأنهن فاعلات .
د. محمد الخضيري : طبعا هذا الأمر بالذات يقع عند بعض من عندهم شيء من صور الشرك الحديثة كعبادة القبور والطواف حولها وتعظيم الأولياء تعظيماً يزيد عن القدر الوارد لهم شرعاً فتجدهم يقولون لا تقل كذا ترى الولي يغضب عليك أو المقبور فلان أو الصالح فلان يغضب عليك وقد يصيبك في ولدك وإلا في أهلك وإلا في بدنك وإلا في مالك ثم يترقبون فلو أصابك شيء قالوا : أرأيت نحن حذرناك ، نقول : هذا -يا إخواننا- هو عين ما وقع بين إبراهيم وبين قومه -بالضبط- وينبغي على المؤمن المُوحِد الصادق أن يقول بكل ثقة وإيمان { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } هذه مشيئة الله فلا يجوز لأحد أن يحتجّ بما يُقدِّره الله على سائر عباده على أنه مما أوقعته هذه الآلهة والأصنام .
د. عبد الرحمن الشهري : وألاحظ أيضاً هنا في قول إبراهيم إشارة إلى تمكّن الإيمان في قلبه كما أشار الله سبحانه وتعالى، ومثله تذكرون قصة السحرة الذين سجدوا عندما رأوا هذه المعجزة لموسى عليه الصلاة والسلام فلما هددهم فرعون { قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } نعم ، ولم يبالوا بتهديده مع أنهم كان تهديد وقتلهم في بعض الروايات أنهم قُتِلوا وصُلبوا لكن لما استقر الإيمان في قلوبهم لم يُبالوا بتهديدات حقيقية واقعية فكيف بتهديدات مفترضة من أصنام لا تضر ولا تنفع. ولذلك هرقل عندما استدل على هذا قال: هل هناك من يترك دينه من أتباع محمد سخطةً لدينه؟ قالوا : لا ، قال : وسألتكم هل يترك أحد منهم ، فقلت : لا، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب. فكذلك هذه سُنَّة ماضية في كل مؤمن إذا صدق وثبت في نفسه ورسخ الإيمان في نفسه فإنه يستهين بكل هذه التهديدات -سبحان الله- حتى تشوف الآن تأتي بعض الرسائل على وسائل التواصل أنك إذا لم تنشرها فإنه سيحدث لك هكذا وهي نفس هذه العقيدة الفاسدة .
د. مساعد الطيار : لاحظ أيضاً قوله : {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}أنه دخل الآن في معرفة تفصيلية وقبل لم يكن عنده هذه المعرفة التفصيلية يدل أنه قد أتاه الوحي بالتفاصيل بدأ يدخل في مرحلة التفاصيل مثل ما ذكرت في حال نبينا قال : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ} المقصود أنه ما كان يعرف تفاصيل الشرائع .
 د. عبد الرحمن الشهري : هنا سؤال يا دكتور مساعد والشيخ محمد . تلاحظون في القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يذكر لنا بدء الوحي على بعض الأنبياء وبعضهم لا يذكر لنا بدء الوحي وإنما يذكر لنا قصته بعد أن أصبح نبياً -فمثلاً- إبراهيم هنا لا تذكر لنا قصته في القرآن متى جاءه الوحي لكن موسى واضحة ، ولادته كيف كانت ثم ذهب إلى مدين ثم وهو راجع من مدين جاءه الوحي فقصته كلها قبل تلك الليلة في مدين أو -عفواً- وهو عائد إلى مصر ليس فيها قدوة لأنه ليس نبياً -قبل النبوة- النبي ﷺ واضح الأمر عندنا منذ أن أتاه الوحي في غار حراء ، إبراهيم لا نعرف متى جاءه الوحي بالضبط ولذلك يقع النقاش الذي تناقشنا فيه في هذه القصة هل هي مُناظرة وإلا نظر، لو كان لدينا تاريخ محدد أو قصة محددة نعرف أنه جاءه الوحي في هذه المرحلة لكنا ربما استطعنا أن نحكم بشكل أكثر دقة يعني.
د.محمد الخضيري : قال بعد ذلك : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} إبراهيم هنا يقلب الأمر عليهم فيقول : أنتم تخوفونني من هذه الآلهة المزعومة أليس الأجدر بكم أن تكونوا أنتم تخافون مما تصنعون من هذا الإله الحق الذي استقر في الفِطر السليمة والعقول الصحيحة أنه الإله الحق وأنتم حِدتم عن هذا الأمر ، ألسنا نؤمن جميعاً أن الرب الخالق المدبر هو الله ؟ وهذا الشيء يكاد يتفق عليه البشر إلا من جحد كِبراً وعلواً {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } فإبراهيم يقلب الدليل على قومه ويقول : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} يعني لا دليل لكم على ما عبدتموه ومع ذلك تخوفونني منه والأولى أن تخافوا وأخاف أنا أي نخاف جميعاً من هذا الإله الحق الذي نحن جميعاً نشترك بأنه إله ومدبر ومالك ورب العالمين جميعاً فهذا من إبراهيم -الحقيقة- قلب المسألة عليهم ، وفعلا لم يحيروا جواباً ولذلك جاء هو بالإجابة 
فقال : {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} من هو الأحق بالأمن أنا أو أنتم يا من خوفتموني بالأصنام المزعومة أو أنا يا من أخوفكم بالإله الحق ؟ قال : {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم أجاب {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
د. مساعد الطيار : طبعاً أيضاً في قوله : {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} ما قال : ولا تخافون أنكم أشركتم بالله أصناماً .. لا ، أعطى وصفاً فيه تنبيه على أنه ليس عندكم برهان ولا حجة على ما تفعلون وعلى تأليه هذه الأصنام -وأنه لا ينبغي أن يؤله شيء إلا بحجة وبرهان- طبعاً والعجيب من معرفة قصة قوم إبراهيم أنه قد طُمس على قلوبهم أيما طمس -فلم يستجيبوا- أبداً حتى لما ظهرت لهم الدلائل لما كسّر الأصنام (فَرَجَعُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ فَقَالُوۤا۟ إِنَّكُمۡ أَنتُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ۝ ثُمَّ نُكِسُوا۟ عَلَىٰ رُءُوسِهِمۡ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ یَنطِقُونَ) .
د. عبد الرحمن الشهري : وهذا يُظهر لك فضل الصحابة رضي الله عنهم قوم النبي ﷺ كيف أنه بُعث حتى عندما تقارن بين قوم محمد ﷺ وقوم إبراهيم ، قوم محمد فيهم خير كثير ، استجاب كثير منهم .
د. مساعد الطيار: أيضاً فالمقصود أو قصدي عندما ننظر نحن في الآيات نحتاج أن ننتبه إلى هذه التغييرات التي تحصل ، هو الكلام عن الأصنام فلم لم يذكرها بالصنمية أو يذكر هذه المعبودات النجمية واختار هذا التعبير { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}؟ إذاً هم يؤمنون بالله ولكنهم يشركون به ، طيب ما دام تؤمنون بالله هل نزّل الله عليكم برهان وحجة على إشراككم؟
 لا يجدون أبداً -{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْم}- .
د. عبد الرحمن الشهري : إضافة إلى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن هو أول الأنبياء قد سبقه أنبياء -صحيح- يعني النبوة معروفة في الأمم نوح وصالح وهود كلهم سبقوا إبراهيم أليس كذلك؟  -نعم صحيح-.
د.محمد الخضيري : قال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} أي هؤلاء أحق بالأمن، فذكر أمرين قال: {الَّذِينَ آمَنُوا} هذا واحد {وَلَمْ يَلْبِسُوا} أي يخلطوا {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ} يعني لم يخلطوا إيمانهم بالله عز وجل بظلم ، هذا الظلم طبعاً فهمه الصحابة على أنه مطلق الظلم وأن أي شيء مما يقع عليه إسم الظلم يدخل في المقصود -وهذا مقتضى القاعدة اللغوية لأن هذا نكره في سياق النفي ، لم : نفي ، ظلم : نكره ، ففهمهم صحيح- لكنهم غفلوا عن قاعدة أهم منها وهي قاعدة السياق وذلك أن السياق في الآيات جاء للحديث عن موضوع خاص وهو الشرك {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أي بشركٍ ولكنه سمّاه هنا بـ (ظلم) لبيان وصف من أوصاف هذا الشرك وهو أنه هو أظلم الظلم وغاية الظلم.
النبي ﷺ قال: ( ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح) يجيب الصحابة على هذا الإشكال الذي ورد على قلوبهم {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} يبين أن الظلم ورد في القرآن بمعنى الشرك والصحابة رضي الله عنهم كأنهم عزلوا الآية عن سياقها وفهموها فهماً كما ذكرت لغوياً مجرداً ، وبهذا نستفيد فائدتين عظيمتين من هذه الآية :
أولاً : تفسير النبي ﷺ القرآن بالقرآن .
ثانياً : أن من أعظم ما يبين معنى الكلمة أو المُفردة في السياق أو في الآية هو سياقها ، وأنت تتحدث مع أي صاحب لك سيفهم كلامك في سياقه، حينما تقول : هات المفتاح -مثلاً- وأنت تخاطب صاحبك في السيارة مثلاً هو يفهم مفتاح السيارة ما يفهم مفتاح العلوم لفلان من العلماء أو كذا -ولا مفتاح البيت- ولا مفتاح الجنة لا إله إلا الله -مثلاً- وإنما يفهمها في سياقها الذي وردت فيه، فالسياق يعتبر حاكم وحاسم في فهم النص فمن عزل الآية عن سياقها فقد أجرم في حق ذلك النص.
د.عبد الرحمن الشهري: والمقصود بالسياق هو سياق الكلام المقالي الذي قبله والذي بعده عما يتحدث، وأيضاً يدخل في السياق موضوع السورة نفسه ، موضوع السورة يعتبر من السياق والسياق أيضاً -كما يذكر بعضهم- السياق الأوسع هي السور المكية -العهد المكي- هذا يعتبر سياق وأيضاً السياق كله الوحي نفسه نزول القرآن في مكة والمدينة، السياقات تتعدد لكنها في غاية الأهمية في فهم النصوص. 
د. مساعد الطيار: والظاهر الآن من السياق أن الظلم المراد به الشرك ومن نظيرها قوله :{لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ومن تفسير النبي الصريح لذلك بأن المراد بالظلم هنا الشرك فهل يصح أن يقال : أن الآية تحتمل الظلم الذي هو أدنى من الشرك ؟
أنا رأيت بعض العلماء أو بعض المتأخرين مال إلى هذا وبدأ يفلسف أن الآية -تحتمل الشرك وما دونه- لكن الحقيقة طريقة الرسول ﷺ في تفسيره وعبارات الصحابة التي عبّروا بها عن تفسير النبي ﷺ لا تدل على هذا بحال لأنه قال :( ليس الذي تعنون) -فنفى- نفى إذاً (ألم تسمعوا قول العبد الصالح) فأثبت، فنحن حينما نقول إن الآية يمكن أن تكون من باب القياس على ما دون الشرك -وقع ما كان يخافه عبد الله بن مسعود- فهذا فهم الصحابة في النهاية، والذي أريد أن أنبه إليه أننا نحن حينما يكون عندنا مدلول عليه صحيح وله أدلة غير هذا السياق فلا يلزم أن يكون هذا السياق دليل على هذا المدلول ، يعني الآن نحن نريد أن نقول أنه بقدر ما يأتي الإنسان من المعاصي يفقد من الأمن الأخروي -قد يكون هذا صحيح- هذا الكلام صحيح ، مدلول صحيح لكن لايلزم أن تكون هذه الآية هي التي تدل عليه ، لازم الآية مخصوصة بالشرك فإقحام هذه الآية على أنها من هذه الأدلة هذا فيه نظر.
د. عبد الرحمن الشهري : عندي سؤال آخر أنا في نفس السورة في نفس الآية وهي لو فرضنا يا دكتور الآن أنه لم يفسر النبيﷺ الظلم في هذه الآية بالشرك وتركت لاجتهاد المفسرين هل كان أحد سيجزم بأنها تدل على الشرك فقط ؟
-لا- إذاً فتفسير النبي ﷺ كان في هذه الآية بالذات ضرورياً لفهمها -في التعيين- وأيضاً ليقاس عليه نظائره من تفسير القرآن بالقرآن وأنه منهج لابد منه في فهم القرآن ولذلك هذه مثال وله أمثلة أخرى تفسير النبي ﷺ للقرآن بالقرآن في مواضيع أخرى.
د.محمد الخضيري : أنا عندي ملحظ في الآية حقيقة فيه دقة، في قوله:{ الَّذِينَ آمَنُوا } دلالة على أن الآية متصلة بأمر الإيمان، ثم قال { وَلَمْ يَلْبِسُوا } أي لم يخلطوا{ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } اللبس هنا هو حقيقة ما وقع فيه المشركون عندما خلطوا إيمانهم بالله عز وجل بشيء من الشرك قلّ أو كثُر كما قال في سورة يوسف : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } فهنا يقول :{ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } الذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث هنا عن ما يضاد الإيمان وهو الشرك وليست المعصية -وليس كمال الإيمان- فقوله:{ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم } السياق أو الألفاظ  تُعبِّر عن إرادة الشرك وليس عن المعاصي.
 ثم في قوله :{ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } لو قلنا أن قوله { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }أي بمعصية والله عز وجل قد حقق للأمة الإسلامية الأمن مع وجود المعاصي فيها ما كان هذا الوعد صحيحاً وإنما يكون هذا الوعد صحيحاً موجوداً في الواقع عندما نقول {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي بشرك { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} في الدنيا والآخرة { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فإذا قلت : { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أي بمعصية أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ما يستقيم هذا.
 د. عبد الرحمن الشهري : طبعاً هذه الآية أيضاً فيها فائدة أصولية -في أصول التفسير- وهي: عند الترجيح بين الاختلافات يعني مثلاً الآن عندما ابن مسعود رضي الله عنه فهم من الآية أن المقصود مطلق الظلم { وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } وقال : أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله ؟ لأنه فهم أن المقصود بها مطلق الظلم فهذه قاعدة لغوية يقول اللغويون أن [النكرة في سياق النفي أو النهي أو التمني تدل على العموم ] النبي ﷺ فسر بالسياق أليس ذلك ؟ وقال : لا المقصود هنا بالظلم الشرك. 
هنا يأتي سؤال : عند تعارض قواعد الترجيح هذه ممكن فائدة في تعارض قواعد الترجيح ، إذا تعارضت قاعدة تتعلق بالسياق مع قاعدة تتعلق -مثلاً- باللغة، أيضاً يذكرونها في كتب تنازع ... أنا أرى يا دكتور مساعد هذا الموضوع مازال في حاجة إلى التمحيص عند تنازع قواعد الترجيح عندما تأتي في موضع -مثلاً- فإذا قول -أجريت عليه قاعدة- نعم عندما تجري عليه قاعدة تُرجِح قولاً وتُجري عليه قاعدة ثانية تُرجِح القول الثاني ، فتتنازع عندك القاعدتان أيهما تقدم، أنا رأيت الدكتور حسين الحربي في كتابه والدكتور عبد الله الرومي تقريباً يرون أن القاعدة المتعلقة بالنص القرآني مقدمة على القاعدة المتعلقة بالأثر والحديث والقاعدة المتعقلة بالحديث بشكل مطلق -لا ليست دقيقة- لكن عندما تأتي للتفصيل تجد هناك مشكلة في التطبيق.
 يعني عندنا هنا تستطيع تستخرج من هذا صنيع بن مسعود وصنيع النبي ﷺ أن القاعدة التي تتعلق بالسياق تُقدم على القاعدة اللغوية لكن الذي قام بتطبيق القاعدة السياقية هو النبي ﷺ فإذاً أصبح تفسير نبوي هنا ، لكن تفسير النبي ﷺ تستطيع تُرجعه لقاعدة السياق وإلا لا يا أبا عبد الملك ؟ -صحيح- فهذه مسألة تستحق أنها يبحث فيها الباحثون.
 د.محمد الخضيري : ولذلك لو قيل أن النظر في هذا للمجتهد، ما يغلب على ظن المجتهد أنه أولى في المقام ، يعني أي القواعد أولى بالتقديم في هذا الموطن أظنه أولى، يعني هي غلبت الظن لأنه من الصعب قاعدة مطّردة تقول يقدم كذا ثم كذا.
د. عبد الرحمن الشهري : هو طبعاً ميزة القرآن الكريم أنه محصور يعني أنت عندك ستة آلآف وميتين وستة وثلاثين آية فأنت تريد أن تضع قاعدة تستطيع أن تجمع كل الأمثلة لها وتحصرها تماماً في القرآن الكريم ثم تتأكد هل القاعدة هذه مطّردة والا هي يعني تنخرم في بعض المواضع مثلاً .
  د.محمد الخضيري : الآن يا أبا عبد الله مِصداق هذه الآية قول الله عز وجل : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } في الواقع هذه القلاقل والبلابل في بلاد السلمين لو تأملت حقاً لوجدت أن من أعظم أسباب وجودها ووقوع الأمة فيها هو إخلالهم بأمر التوحيد ، وأنه متى جاء التوحيد وثبت في الأمة جعل الله عز وجل لهم مقابله الأمن، ولعل من الشواهد على هذا يعني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عندما جاءت في هذا البلاد واستقرت ثبت الأمن فيها وزالت كثير من الفتن والمشاكل التي كان الناس يعانون منها في قرون ماضية ، وكانت لا تُعرف هذه المنطقة في جملتها إلا بذلك، السلب والنهب والسطو وعدوان القبيلة على القبيلة وغير ذلك ، هذا الأمن الذي نحن نعيشه والاستقرارهو ثمرة من ثمرات تحكيم وتطبيق التوحيد ، ومتى بدأنا نشكّك في هذا التوحيد ونتخلى عنه ونتزعزع فيه فإن الله عز وجل سيُحِكم سنته في عباده { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } فمتى آمنا ولبسنا إيماننا بشيء من الشرك والظلم وقعنا في الخوف وهذا يفسره ما في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } من هم المفترون ؟ الذين اتخذوا العجل ، فهي سنّة قائمة ، وإذا أردنا أن نحقق الأمن في أي مكان أول شيء نبدأ به هو توحيد الله عز وجل فإذا وحّدناه صدقاً في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ولم نتوجه بشيء من عباداتنا إلا له سبحانه وتعالى فإن الله يكافئنا على ذلك بأمرين: أمناً في الدنيا والآخرة ، واهتداء في الدنيا والآخرة.
 د. عبد الرحمن الشهري : مع وضوح هذه الحقائق في القرآن الكريم تجد أن اليوم كم يصيبنا في العالم الإسلامي من القلاقل ومن الفتن تجد المحللين يتكلمون عن كل شيء إلا هذا،وهذا خطأ.
د. مساعد الطيار: والناس حياة الناس أغلبها مادية الخطط الاستراتيجية مادية  -أسباب اقتصادية- أي نعم التحليلات مادية أغلبها على هذا. لو رجعنا إلى تفسير الظلم بالأمن أورد الطبري قول لبعضهم أنهم قالوا : أنهم لم يخلطوا إيامنهم بشيء من معاني الظلم ولم يذكر القائل من هو وقال بعد ذلك طبعاً هو ذكر أن الأمن لا يكون إلا في يوم القيامة الآية المراد بها يوم القيامة لكن هو علّق بعد ذلك قال: "وأولى القولين بالصحة في ذلك ما صح به الخبر على رسول الله ﷺ وهو الخبر الذي رواه ابن مسعود أنه قال: الظلم الذي ذكره الله تعالى في هذا الموضع هو الشرك" مع أنه ذكر قول الرسول ﷺ وقول جماعة من السلف ، وبما أن تفسير النبي ﷺ صريح فالطبري يُقدِمه في الترجيح ، وهذا أيضاً من اجتهاد الطبري في جمع ما يُذكر من المعاني في الآيات مع أنه ذكر عن جماعة من الصحابة والتابعين وذكر حديث النبي ﷺ الصريح كذلك ، ثم ذكر من قال القول الثالث دون أن يذكر من هو رجّح قول النبي ﷺ.
 وسبق نبهنا عن طريق الطبري في تعامله مع الحديث الصريح الذي يعتبر تفسير مباشر من النبي ﷺ ، تفسير صريح أنه إما أن يُصدِّر به وإما أن يعتمده في الترجيح مثل هذا الموطن. 
د.محمد الخضيري : في قوله:{ أُولَٰئِكَ } دلالة على رفعة شأنهم لأن الإشارة إلى أولئك إلى البعيد، وهذا تعبير يرِد كثيراً في القرآن فلم يقل هؤلاء لهم الأمن وهم مهتدون وإنما { أُولَٰئِكَ } للدلالة على علو شأنهم ورفعة مقامهم { لَهُمُ الْأَمْنُ } كأنه أسلوب حصر ، ما قال هؤلاء لهم الأمن وإنما { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ } وحدهم دون  سواهم { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } جمع الله لهم بين هذين الأمرين العظيمين الذَيَن يحتاجهما كل أحد في الدنيا وفي الآخرة.
 د.عبد الرحمن الشهري : أيضاً لاحظ في قول إبراهيم {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} أن المؤمن ينبغي له إذا استقر الإيمان في نفسه أن يتجنب مواطن الشبهات بعد أن هداه الله سبحانه وتعالى وعرف الحق أن يلزمه، وكثير من الناس اليوم خاصة فئة الشباب من الأولاد والبنات يُعرضون أنفسهم للشبهات وربما التصقت شبهة من الشبهات بأنفسهم ولم يستطيعوا لها دفعاً فيقال لهم لا تعرض نفسك لهذه الشبهات وإبراهيم هنا يقول : { أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } يعني الأمور أصبحت بالنسبة لي واضحة فلست أنا ممن يقع في هذه الشبهات وقد اتضح لي الحق -وقال لأبيه : { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}- ولذلك يقول أنه في حديث البخاري أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلقى أباه آزر يوم القيامة وعليه قترة فيقول له : ألم أنهك وأبين لك وأخبرك؟ فقال : أما اليوم فلا أعصيك .. أما اليوم فلا أعصيك .. لكن بعد ماذا ؟ بعد ما فات الأوان ولذلك يدعو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيقول : ياربي لا تخزنِ في أبي -دعوته قال : { وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ }- قال : فينظر فإذا مثل الذيخ - وهو ذكر الضبع -.
 فالشاهد أن الإنسان ينبغي أن يحافظ على صفاء إيمانه وصفاء دينه وصفاء نفسه لأن هذه نعمة عظيمة من نعم الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام يحمد الله عليها أن الله قد هداه ، وهذه الحُجّة التي خرج منها إبراهيم وقد اتضحت له الحقيقة ولذلك كما تفضلتم هو يجادل وهو على علم بيّن وعلى حُجة وعلى وضوح وهذا هو كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم لا يُحاجّون ولا يجادلون أقوامهم إلا بعد ما اتضحت لهم الحقائق تماماً ، وهكذا ينبغي على كل مسلم يسير على طريقهم أن يتزود من العلم وأن يحرص أن يكون لديه من العلم ما يستطيع به أن يجادل الآخرين أو لا يدخل في هذا الميدان أبداً ولا يُعرض قلبه للشبهات ثم يبحث عن مخارج لها بعد ذلك.
 د.محمد الخضيري : لكن يأتي السؤال وهو : لو قال هذا الشاب أنا أريد أن أبحث عن الحقيقة وقد يكون الحق عند هؤلاء كيف يكون الجواب على هذا؟ الجواب على هذا -والله أعلم- أن يقال يجب أن يكون البحث عن الحقيقة عند إنسان ليست عنده حقيقة أما شخص تجلت له الحقيقة بدليلها لماذا يبحث عن شيء يشغله عنها وخصوصاً من شخص ليس عنده حقيقة وإنما عنده شبهة على الحقيقة التي عندك لاحظ الفرق، بدليل أنك تقول : هذا الرجل الآن يشككني في ديني إلى أي شيء يدعوني حتى أناقشه فيه؟ قال يدعوك إلى أن تؤمن بأن كل شيء خلق نفسه -مثلاً- أو الطبيعة خلقت هذا الكون ، بالله عليك هل هناك أسخف من هذه القضية يعني يزيلني من هذا الجبل الذي أنا عليه وهذا اليقين الراسخ إلى هذا العراء ليقول لي تعال إلى هنا بالله عليك تقارن هذا بهذا؟ لا يمكن.
 ولذلك نحن نقول للشباب هؤلاء سلمنا جدلاً بصحة هذه الشبهة إلى أي شيء يدعو هذا الرجل؟ قال : يدعو إلى أن لا تؤمن بشيء.
 هذه حقيقة هذه!! هذا شيء يقبله عقل؟ أي عقل! والله حتى ولا عقول البهائم تقبله. فكن على حقيقتك التي أنت عليها إنما هذا رجل قد لبس عليه فحاول أن يصيبك بشرَك من شِرَاكه ويغتالك ويجعلك صريع لا أنت الذي أمسكت بالحق الذي كان معك ولا أنت وصلت إلى حقيقة أخرى هي أقوى من ما كان معك.
د.عبد الرحمن الشهري : صدقت نعم .. ولذلك حتى نعلم أن القرآن الكريم هو اشتمل على القواعد التي ينبغي على المسلم أن يلتزم بها فينبغي عليه أن يتزود بهذا العلم حتى يكون على بينة خاصة مع الشبهات الخطافة التي تتكاثر اليوم وتنتشر انتشاراً واسعاً.
 لعلنا نتوقف عند هذا يا مشايخ ونكمل إن شاء الله..
 نراكم أيها الأخوة المشاهدون إن شاء الله في المجلس القادم ونكمل بإذن الله التعليق على هذه الآيات من سورة الأنعام وأنتم على خير نراكم بإذن الله في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق