الجمعة، 21 ديسمبر 2012

(أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)/ د.خالد السبت

د. خالد بن عثمان السبت
  (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)
أي : يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ، ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله - عز وجل - .
 يعني الآن (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ*أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) أي حذرا من أن تقول نفس "يا حسرتى" أو لئلا تقول نفس (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) كما يقول أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله - يعني لئلا تندم في وقت لا ينفع فيه الندم ولا يفيد ، بادروا خوف أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله .
 هذه الآيات من جملة الآيات التي في كتاب الله - عز وجل - في مواضع يذكر الله - عز وجل - فيها حقائق يغفل عنها الإنسان كثيرا ولكنه عند المعاينة لو طرقت سمعه فكأنه لأول مرة يسمعها .كل الحقائق ، ما الذي سيكون في الخصومات بين أهل النار ، وماذا تقول الطائفة الأولى للثانية ، كيف يتندمون على ما مضى من جرائم ، والعبارات التي يقولونها حينها (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) وكل ما يكون مما يحصل من الناس وقت ندمهم وتكشف الحقائق أمامهم ذكره الله في هذا القرآن ، حينما يقف الإنسان أمامه يقول ما بقي شيء إلا بيّنه الله - عز وجل - ووضح الطريق إيضاحا تاما كاملا لا لبس فيه ، ماذا يقول وماذا يُقال له ، هؤلاء الناس كيف يصيرون إلى ربهم - تبارك وتعالى - وماذا يلقون حينها وما هي حتى المشاعر الداخلية والنفسية التي تدور في نفوسهم وضحها الله وبيّنها ومن ثَمّ لا أجد شيئا إطلاقا مما يمكن أن يُقال للإنسان الذي يريد أن يتبصر ، ويريد أن يُصلح حاله ، يريد أن يتغير ، يريد ألاّ يعود إلى ذنوبه ، يريد أن يكون في حال جديدة ، يريد أن يترك بعض الأشياء التي تعلقت نفسه بها ، لا أجد مثل هذا القرآن ولكننا نغفل كثيرا ولا نتدبر ، وإذا أردت أن تعرف مثل هذا - وأنا أول المقصرين به - أقبل على القرآن إقبالا صحيحا ، اقرأ القرآن في أفضل الأوقات عندك في اليوم والليلة ، واقرأ قدرا مجزءا من القرآن كل يوم بحيث يكون القرآن يأخذ من وقتك واهتمامك وقلبك بصورة لائقة ستجد أن الحياة برمتها تتغير ، كل الحياة ، وستجد أن شيئا بداخلك ينبعث يقول كيف ضاعت أيامنا بعيدا عن القرآن ، كيف يمكن العيش بعيدا عن القرآن ، كيف كان منا هذه الغفلة والتفريط ويشعر الإنسان أنه مُضيع في أيام العمر السابقة مع أنه لربما كانت أوقاته مصروفه في العلم والدرس والاشتغال والقراءة والاطلاع والبحث وما إلى ذلك مع التقصير في قراءة القرآن وتدبره ، ولهذا شيخ الإسلام في آخر حياته وهو يقرأ في الآية أكثر من مئة تفسير كان يتمنى لو أنه صرف أوقاته في القرآن . فهذه الحقائق هي أمور ستقع ويقول هؤلاء هذه المقالات ، فالموفق من فتح الله - عز وجل - منافذ فكره وقلبه ليتعقّلها فيُبصر بنور الله - جل جلاله - هذه الأمور كأنها واقعة يُشاهدها ، أما الغافلون فإنهم لم يزالوا في سكرتهم حتى يوافوا ذلك اليوم فيقع منهم مثل هذا الندم ، فكثير من الحقائق تكون غائبة غير حاضرة في القلب ثم بعد ذلك إذا جاءت ساعة الجدّ وطرقت السمع مثل هذه الآيات يشعر الإنسان حينها أنه لأول مرة يقرؤها ، ولك عبرة في هذا فيما حصل من الصحابة لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وافتهم الصدمة فقرأ أبو بكر - رضي الله عنه - الآية (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فرجعوا إلى صوابهم بعد الذهول الذي أصابهم بموت رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فكانوا يُعبرون عن هذا المعنى أنه كأنهم لأول مرة ..، الإنسان يقرأ أشياء لكن إذا حقت الحقائق كانت قراءته لها قراءة أُخرى تماما، والله المستعان . (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) يتحسر ، يتندم على هذا التفريط (يَا حَسْرَتَى) .

------------------------------------------------------------------------
من درس الشيخ على تهذيب المصباح المنير عند الآية 56 من سورة الزمر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق