الاثنين، 19 نوفمبر 2012

بين يدي سورة الزمر


* أ.ميادة الماضي
 سورة الزمر مكيّة
 رقمها: 39
 وهي (75) خمس وسبعون آية
/ تسميتها: سميّت سورة الزمر لذكر لفظ الزمر فيها ولم يُذكر في غيرها قط؛ لأنَّ الله تعالى يتكلّم فيها عن تقسيم النّاس فيها إلى زمر أو فرق يوم القيامة بحسب أعمالهم في الدنيا، بحيث يكون هنالك زمرة الكفّار الأشقياء مع بيان حالهم وتوفية جزائهم، وزمرة المؤمنين السعداء وبيان إعزازهم وإكرامهم.
/  مناسبتها لما قبلها:
 تظهر صلة هذه السورة بما قبلها وهي سورة (ص) من جوانب:
 - من حيث ارتباط فواتح سورة (الزمر) بخواتم سورة (ص): فإنّ الله تبارك وتعالى ختم سورة (ص) بوصف القرآن الكريم بقوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (88) }. وابتدأ هذه السورة بقوله تعالى: { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) }فكأنه قيل: هذا الذكر تنزيل من الله العزيز الحكيم، فهما كالآية الواحدة، بينهما اتصال وتلاحم شديد.
 - كذلك ذكر الله تعالى في آخر سورة (ص) قصة خلق آدم عليه السلام، وذكر في صدر هذه السورة قصة خلق زوجه منه، وخلق الناس كلهم منه، وذكر خلقهم في بطون أمهاتهم خلقاً من بعد خلق، ثم ذكر أنهم ميتون، ثم ذكر سبحانه القيامة، والحساب، والنار، والجنة، فذكر جلَّ شأنه أحوال الخلق من المبدأ إلى المعاد، متصلاً بخلق آدم المذكور في السورة قبلها.
 / وأما من حيث الموضوع : فالسورتان مكيَّتان، ولا يخفى تشابه السور المكية من حيث بيان أصول العقيدة الإسلامية وذلك بالدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة، وإثبات البعث والجزاء، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، والآيات الكونية.
 - ولما بُنيت سورة (ص) على ذكر المشركين وعنادهم واتخاذهم الأنداد والشركاء، ناسب أن يذكر في سورة (الزمر) الأمر بالإخلاص الذي هو نقيض حال من تقدّم، وتنزيه الله تعالى نفسه عن عظيم فعلهم؛ فقال: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}.
 - وكما ذكر في سورة (ص) ما أعدّه تعالى لعباده المتقين من النعيم والسعادة في الدار الآخرة، وما أعدّه للطاغين الخارجين عن طاعة الله من سوء المنقلب والمرجع، ذكر كذلك في هذه السورة الكريمة ما عليه أهل الكفر من سوء الحال، وكيف يساقون إلى النار ذليلين مهانين، وما عليه أهل الجنة من النعيم والسعادة، وكيف يساقون إلى الجنة مكرمين معزَّزين.
/ مشتملاتها:
 محور سورة (الزمر) يدور حول التأكيد على وحدانية الله، وموضوعها الرئيس هو: الحديث عن التوحيد، وأدلّة وجود الله ووحدانيته، وعن الوحي، والقرآن العظيم.
 فهي وإن كانت ككل السور المكيّة التي تدور محاورها حول هذه الموضوعات إلاّ أنّها تهزّ القلب هزّاً عميقاً متواصلاً في كل مقاطعها لتطبع فيه حقيقة التوحيد، وتنفي عنه كلَّ شبهة أو ضلالة. ومن ثَمَّ فهي ذات موضوع واحد متصل من بدئها إلى ختامها يُعرض في صور شتى. (1).
 فمنذ افتتاحها تبرز قضية التوحيد التي تكاد السورة تقتصر على علاجها، وذلك بقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} لتبقى تتردَّد في مقاطعها وعلى فترات متقاربة إمّا نصاً وإمّا مفهوماً.
 نصاً كقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ…}
إلى قوله تعالى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)}.
 ومفهوماً كقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)}
 وقوله تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)}.(2)
------------------------------------
1- في ظلال القرآن بتصرف
2- المرجع السابق
/ ملتقى أهل التفسير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق