الأربعاء، 28 مارس 2012

السابقون المبادرون للعمل الصالح في الحياة الدنيا هم السابقون عند الله



/ قال الله (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)
د. الحسن: أفضل إعراب اطّلعت عليه في (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أن الكلمة الأولى مبتدأ والثاني هو الخبر ولا بد من معنى كبير يقوم لهذا المبتدأ ولهذا الخبر، فماذا يكون المعنى؟
فالسابقون المبادرون للعمل الصالح في الحياة الدنيا هم السابقون عند الله ، السابقون للدرجات ، السابقون في دخول الجنة ، فكما سبقوا إلى طاعة الله وامتثال أمره وتقديم ما يرضيه هم يسابقون {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ( آل عمران)

{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين)

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} (الحديد)
فهؤلاء امتثلوا وأطاعوا وجدّوا وشمروا وكانوا دائماً وأبداً في كل أمر يحبه الله ،المبادرون ، السابقون ، فحينئذ يُجازون بأنهم هم السابقون في الدار الآخرة ، في يوم الواقعة وسيكون لهم النصيب الأكبر في السبق إلى الرفع (رافعة) النصيب الأول لهؤلاء السابقين .
/ {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿١٠﴾ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾}

كلمة (الْمُقَرَّبُونَ) هذه نعمة لم تذكر لأصحاب اليمين وهي تقريبهم من الله ، سبحان الله!
فالقرب من الله أكثر كلما اقترب العبد من ربه يوم القيامة أكثر كان له من النعيم الأوفر ، وله النصيب الأكبر من اللذة والأنس بالله والنظر إلى الله ، فبعض أصحاب اليمين يرون الله من الجمعة إلى الجمعة بينما هؤلاء السابقون يرون الله صباحاً ومساء ، يرونه مرتين في اليوم والسبب القُرب، فهؤلاء مقربون من الله ، مقربون من منازل الأنبياء ، مقربون في الإكرام ، في الدرجات العلا في الفردوس الأعلى لهم الدرجات العلا، الغُرف التي فوقها غرف مبنية يتراءاها أصحاب اليمين كما نتراءى الكوكب الغابر في الأفق فهذا معنى (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)
وهذه نعمة القرب ، ونعمة النظر إلى الله سبحانه وتعالى لا تعدلها نِعَم الجنّة .
/ {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿١١﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿١٢﴾}
لماذا وصفت الجنات بالنعيم؟
قد يدخل الانسان جنة ولا يتنعم - من جنان الدنيا - لوجود مانع قد يكون مهموماً ، قد يكون مريضاً ، قد يكون خائفاً فهو في جنة لكنه غير منعّم، هؤلاء في جنات النعيم ،هم في جنة ولكن جنة نعيم من دخلها ينعم ولا يبأس . نسأل الله أن نكون منهم .
/ ثم وصف بعض نعيمهم (عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) موضونة يعني منسوجة بالذهب وعلى قول أنها مرصعة بالدُر والجواهر ، المهم أن هذه السُرر في غاية الجمال والكمال.
(مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ) لا أحد يدير ظهره للآخر لأنه إذا كان المكان ضيقاً قد تضطر أن تدير ظهرك للآخر أما المكان الفسيح والمكان الدائري كما نتراءى نعيم الجنة فحينئذ كل واحد يقابل الآخر وجهاً لوجه وهذا أتم في النعيم وأتم في الإكرام
(مُتَقَابِلِينَ).
ثم ذكر الله سبحانه وتعالى شيئاً من نعيمهم
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴿١٧﴾ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿١٨﴾}
كلها كلمات واضحة لكن كلمة "معين" يعني عين جارية لا تنفد ، المعين عند العرب الماء الجاري الغزير الذي لا ينفد، وهذا الخمر أنهار (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ) ، (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ) ليست كخمر الدنيا يصيبهم صداع بسببها أو فساد عقل، ذهاب العقل.
/ ثم قال الله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ) وهذه فيها قراءتان قراءة الجمهور المعنى المعروف الذي نقرأه برواية حفص (حورٌ) بالضم والمعنى واضح يعني "ولهم حور عين" .
ولكن الوقفة التي سنقفها عند قراءة حمزة والكسائي (وحورٍ عين) بالجرّ ، فحينئذ هذا يحتاج إلى معنى فبعضهم يقول : أن المعنى بما أن هؤلاء السابقين ذُكروا أنهم في جنات النعيم ، ثم قال "وفي حورٍ" أي كأن هذا الرجل أحاطته الحور من جميع الجهات ، من تمام النعيم هو في بحر من حور هو في حور ليست واحدة حتى يقال (مع) .
د. الشهري: وقد ثبت أنهم سبعين
د. الحسن: نعم، هذا من معاني (وحورٍ عين) بالجرّ. وهناك معنى يتراءى للذهن لكن لم أجده ولا يجوز الجزم به وهو (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) ثم عُطِف بـ"حورٍ" فكأن الحورية تزفّ إلى عريسها زفاً فالغلمان يهيئون هذه الحورية ويطوفون بها عليه ، يقدّمونها له ، يدخلونها عليه فهنا ينقلب ما كان معهوداً في الدنيا، الآن الملوك وأشباههم الزوجة هي التي تدخل على زوجها لكمال نعيمه وترفه، هل هذا هو المراد؟ قد يكون، وإذا ذهبنا إن شاء الله إلى هناك نعلم علم اليقين ما الذي يحدث نسأل الله من فضله.
د. الشهري: ذكرت توجيها جميلاً لقراءة الجرّ أن المقصود أنه يطاف عليهم أيضاً بالحور العين. وهذه أول مرة أنتبه لها أن الملوك تزف إليهم الزوجات وليس العكس وهذا لا شك من تمام نعيمهم في الجنة.*

----------------------------
*التفسير المباشر - 1432 هـ - سورة الواقعة .
مصدر التفريغ : موقع إسلاميات / بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق